الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن العريف

                                                                                      أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله ، الإمام الزاهد العارف أبو العباس بن العريف الصنهاجي الأندلسي المريي المقرئ ، صاحب المقامات والإشارات .

                                                                                      صحب أبا علي بن سكرة الصدفي ، وأبا الحسن البرجي ومحمد بن الحسن اللمغاني ، وأبا الحسن بن شفيع المقرئ ، وخلف بن محمد العريبي [ ص: 112 ] وعبد القادر بن محمد الصدفي ، وأبا خالد المعتصم وأبا بكر بن الفصيح .

                                                                                      واختص بصحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بريال ومحمد بن يحيى بن الفراء ، وبأبي عمر أحمد بن مروان بن اليمنالش الزاهد . قاله ابن مسدي .

                                                                                      وقال ابن بشكوال روى عن أبي خالد يزيد مولى المعتصم ، وأبي بكر عمر بن رزق ، وعبد القادر بن محمد القروي ، وخلف بن محمد بن العربي وسمع من جماعة من شيوخنا ، وكانت عنده مشاركة في أشياء من العلم ، وعناية بالقراءات وجمع الروايات ، واهتمام بطرقها وحملتها ، وقد استجاز منى تأليفي هذا ، وكتبه عني ، واستجزته أنا -أيضا- فيما عنده ، ولم ألقه ، وكاتبني مرات ، وكان متناهيا في الفضل والدين ، منقطعا إلى الخير ، وكان العباد والزهاد يقصدونه ، ويألفونه ، ويحمدون صحبته ، وسعي به إلى السلطان ، فأمر بإشخاصه إلى حضرته بمراكش ، فوصلها ، وتوفي بها .

                                                                                      قلت في " تاريخي " : إن مولد ابن العريف في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، ولا يصح .

                                                                                      وكان الناس قد ازدحموا عليه يسمعون كلامه ومواعظه ، فخاف ابن [ ص: 113 ] تاشفين سلطان الوقت من ظهوره ، وظن أنه من أنموذج ابن تومرت ، فيقال : إنه قتله سرا ، فسقاه -والله أعلم .

                                                                                      وقد قرأ بالروايات على اثنين من بقايا أصحاب أبي عمرو الداني ، ولبس الخرقة من أبي بكر عبد الباقي المذكور آخر أصحاب أبي عمر الطلمنكي وفاة .

                                                                                      قال ابن مسدي : ابن العريف ممن ضرب عليه الكمال رواق التعريف ، فأشرقت بأضرابه البلاد ، وشرقت به جماعة الحساد ، حتى لسعوا به إلى سلطان عصره ، وخوفوه من عاقبة أمره ، لاشتمال القلوب عليه ، وانضواء الغرباء إليه ، فغرب إلى مراكش ، فيقال : إنه سم : وتوفي شهيدا ، وكان لما احتمل إلى مراكش ، استوحش ، فغرق في البحر جميع مؤلفاته ، فلم يبق منها إلا ما كتب منها عنه . روى عنه أبو بكر بن الرزق الحافظ ، وأبو محمد بن ذي النون ، وأبو العباس الأندرشي ولبس منه الخرقة ، وصحب جدي الزاهد موسى بن مسدي ، ولعله آخر من بقي من أصحابه .

                                                                                      ثم قال : مولد ابن العريف في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة .

                                                                                      [ ص: 114 ] قلت : هذا القول أشبه بالصحة مما تقدم ، فإن شيوخه عامتهم كانوا بعد الخمس مائة ، فلقيهم وعمره عشرون سنة .

                                                                                      ثم قال : وأقدم شيوخه سنا وإسنادا عبد الباقي بن محمد الحجاري الزاهد ، وكان عبد الباقي قد حمله أبوه وهو ابن عشر سنين إلى أبي عمر الطلمنكي ، فقرأ عليه القرآن ، وقد ذكرناه في سنة اثنتين وخمس مائة ، وأنه عاش ثمانيا وثمانين سنة .

                                                                                      قال : وتوفي أبو العباس بن العريف بمراكش ليلة الجمعة الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مائة .

                                                                                      وأما ابن بشكوال ، فقال في صفر ، بدل رمضان -فالله أعلم .

                                                                                      ثم قال ابن بشكوال : واحتفل الناس بجنازته ، وندم السلطان على ما كان منه في جانبه ، فظهرت له كرامات -رحمه الله .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية