الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن أبي أيوب الأنصاري قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام . قال : «وما دينه»؟ قال : يصلي ويوحد الله . قال : «استوهب منه دينه، فإن أبى فابتعه منه» فطلب الرجل ذلك منه فأبى عليه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال : وجدته شحيحا على دينه، فنزلت : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبزار من طرق عن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نشك في قاتل النفس، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، وقاطع الرحم، حتى نزلت هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأمسكنا عن الشهادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : كنا لا نشك فيمن أوجب الله له النار في كتاب الله حتى نزلت علينا هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلما سمعناها كففنا عن الشهادة، وأرجينا [ ص: 471 ] الأمور إلى الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن الضريس، وأبو يعلى ، وابن المنذر ، وابن عدي بسند صحيح، عن ابن عمر قال : كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر، حتى سمعنا من نبينا صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال : «إني ادخرت دعوتي شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا، ثم نطقنا بعد ورجونا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر من طريق المعتمر بن سليمان، عن سليمان بن عتبة البارقي قال : حدثنا إسماعيل بن ثوبان قال : شهدت في المسجد قبل الداء الأعظم فسمعتهم يقولون : ومن قتل مؤمنا إلى آخر الآية [النساء : 92]، فقال المهاجرون والأنصار : قد أوجب له النار . فلما نزلت : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قالوا : ما شاء الله، يصنع الله ما يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال : لما نزلت : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية [الزمر : 53]، قام رجل فقال : والشرك يا نبي الله؟ فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن أبي مجلز قال : لما نزلت هذه الآية : يا عبادي الذين أسرفوا الآية، قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فتلاها على الناس، فقام إليه رجل [ ص: 472 ] فقال : والشرك بالله؟ فسكت مرتين أو ثلاثا، فنزلت هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فأثبتت هذه في "الزمر"، وأثبتت هذه في "النساء" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في "ناسخه"، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال في هذه الآية : إن الله حرم المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن بكر بن عبد الله المزني : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال : ثنيا من ربنا على جميع القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي والترمذي وحسنه، عن علي، قال : أحب آية إلي في القرآن : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي الجوزاء قال : اختلفت إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة، فما من شيء من القرآن إلا سألته عنه، ورسولي يختلف إلى عائشة، فما سمعته ولا سمعت أحدا من العلماء يقول : إن الله يقول لذنب : لا أغفره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من عبد يموت لا يشرك بالله شيئا، إلا حلت له المغفرة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، إن الله استثنى فقال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء » .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 473 ] وأخرج أبو يعلى عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقابا فهو بالخيار» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذنب لا يغفر، وذنب لا يترك، وذنب يغفر؛ فأما الذي لا يغفر فالشرك بالله، وأما الذي يغفر فذنب بينه وبين الله عز وجل، وأما الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في "شعب الإيمان"، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدواوين عند الله ثلاثة : ديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا، وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [المائدة : 72] وقال الله : إن الله لا يغفر أن يشرك به وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم تركه أو صلاة تركها؛ فإن الله يغفر ذلك ويتجاوز عنه إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا : [ ص: 474 ] فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن أبي ذر قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ما من عبد قال : لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : «وإن زنى وإن سرق» قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : « وإن زنى وإن سرق» ثلاثا، ثم قال في الرابعة : «على رغم أنف أبي ذر» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وابن مردويه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله يقول : يا عبدي، ما عبدتني ورجوتني فإني غافر لك على ما كان فيك، ويا عبدي لو لقيتني بقراب الأرض خطايا، ما لم تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من مات لا يعدل بالله شيئا، ثم كانت عليه من الذنوب مثل الرمال غفر له» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مات [ ص: 475 ] لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني والبيهقي في "الأسماء والصفات"، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قال الله عز وجل : من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب، غفرت له ولا أبالي، ما لم يشرك بي شيئا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن سلمة بن نعيم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة» قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : «وإن زنى وإن سرق» قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : «وإن زنى وإن سرق» قلت : وإن زنى وإن سرق؟ قال : «وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي الدرداء » . قال : فخرجت لأنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال : ارجع؛ فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها، فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال : «صدق عمر» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج هناد عن ابن مسعود قال : أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلي من حمر النعم وسودها، في سورة "النساء" قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة [ ص: 476 ] الآية، [النساء : 40] . وقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية، وقوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك الآية [النساء : 64]، وقوله : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية [النساء : 110] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية