الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 15 ] باب أركان النكاح وشروطه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فصل عمدة من قال : لا يصح النكاح إلا بلفظ " الإنكاح " و " التزويج " - وهم أصحاب الشافعي وابن حامد ومن وافقهم من أصحابنا كأبي الخطاب والقاضي وأصحابه ومن بعده - إلا في لفظ " أعتقتك وجعل عتقك صداقك " أنهم قالوا : ما سوى هذين اللفظين " كناية " والكناية لا تقتضي الحكم إلا بالنية والنية في القلب لا تعلم فلا يصح عقد النكاح بالكناية لأن صحته مفتقرة إلى الشهادة عليه والنية لا يشهد عليها ; بخلاف ما يصح بالكناية : من طلاق وعتق وبيع ; فإن الشهادة لا تشترط في صحة ذلك .

                ومنهم من يجعل ذلك تعبدا ; لما فيه من ثبوت العبادات . وهذا قول من لا يصححه إلا بالعربية من أصحابنا وغيره وهذا ضعيف لوجوه . " أحدها " لا نسلم أن ما سوى هذين كناية ; بل ثم ألفاظ هي حقائق عرفية في العقد أبلغ من لفظ " أنكحت " فإن هذا اللفظ مشترك بين الوطء والعقد ولفظ " الإملاك " خاص بالعقد لا يفهم إذا قال القائل : أملك فلان على فلانة . إلا العقد كما في الصحيحين : { أملكتكها على ما معك من القرآن } سواء كانت الرواية باللفظ أو بالمعنى . [ ص: 16 ]

                " الثاني " أنا لا نسلم أن الكناية تفتقر إلى النية مطلقا ; بل إذا قرن بها لفظ من ألفاظ الصريح أو حكم من أحكام العقد كانت صريحة كما قالوا في " الوقف " إنه ينعقد بالكناية : كتصدقت وحرمت وأبدت . إذا قرن بها لفظ أو حكم . فإذا [ قال ] : أملكتكها فقال : قبلت هذا التزويج . أو أعطيتكها زوجة فقال : قبلت . أو أملكتكها على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ونحو ذلك : فقد قرن بها من الألفاظ والأحكام ما يجعله صريحا .

                " الثالث " أن إضافة ذلك إلى الحرة يبين المعنى ; فإنه إذا قال في ابنته : ملكتكها أو أعطيتكها أو زوجتكها ونحو ذلك : فالمحل ينفي الإجمال والاشتراك .

                " الرابع " أن هذا منقوض عليهم بالشهادة في الرجعة ; فإنها مشروعة إما واجبة وإما مستحبة . وهي شرط في صحة الرجعة على قول وبالشهادة على البيع وسائر العقود ; فإن ذلك مشروع مطلقا سواء كان العقد بصريح أو كناية مفسرة .

                " الخامس " : أن الشهادة تصح على العقد . ويثبت بها عند الحاكم على أي صورة انعقدت . فعلم أن اعتبار الشهادة فيه لا يمنع ذلك .

                " السادس " أن العاقدين يمكنهما تفسير مرادهما ويشهد الشهود على ما فسروه .

                [ ص: 17 ] " السابع " أن الكناية عندنا إذا اقترن بها دلالة الحال كانت صريحة في الظاهر بلا نزاع . ومعلوم أن اجتماع الناس وتقديم الخطبة وذكر المهر والمفاوضة فيه والتحدث بأمر النكاح : قاطع في إرادة النكاح ; وأما التعبد فيحتاج إلى دليل شرعي . ثم العقد جنس لا يشرع فيه التعبد بالألفاظ ; لأنها لا يشترط فيها الإيمان ; بل تصح من الكافر وما يصح من الكافر لا تعبد فيه . والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية