الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون مثل الذي هداه الله بعد الضلالة ، ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل ، والمهتدي ، والضال ، بمن كان ميتا ، فأحياه الله ، وجعل له نورا يمشي به في الناس مستضيئا به ، فيميز بعضهم من بعض ، ويفصل بين حلاهم ، ومن بقي على الضلالة بالخابط في الظلمات لا ينفك منها ، ولا يتخلص ومعنى قوله : كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها : كمن صفته هذه وهي قوله : في الظلمات ليس بخارج منها بمعنى : هو في الظلمات ليس بخارج منها ; كقوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار [محمد : 15] ، أي : صفتها هذه ، وهي قوله : فيها أنهار [محمد : 15] زين للكافرين : أي [ ص: 393 ] زينه الشيطان ، أو الله - عز وعلا - على قوله : زينا لهم أعمالهم ; ويدل عليه قوله : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ، يعني : وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا فيها ، كذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها لذلك ، ومعناه : خليناهم ليمكروا ، وما كففناهم عن المكر ، وخص الأكابر ; لأنهم هم الحاملون على الضلال ، والماكرون بالناس ; كقوله : أمرنا مترفيها [الإسراء : 16] ، وقرئ : أكبر مجرميها ، على قولك : هم أكبر قومهم ، وأكابر قومهم : وما يمكرون إلا بأنفسهم ; لأن مكرهم يحيق بهم ، وهذه تسلية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقديم موعد بالنصرة عليهم ، روي أن الوليد بن المغيرة قال : لو كانت النبوة حقا ، لكنت أولى بها منك ، لأني أكبر منك سنا ، وأكثر منك مالا . وروي أن أبا جهل قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف ، حتى إذا صرنا كفرسي رهان ، قالوا : منا نبي يوحى إليه ، والله لا نرضى به ، ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ; فنزلت ، ونحوها قوله تعالى : بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا [المدثر : 52] .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية