الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الطلاق

وتسمى: سورة النساء القصرى، وهي مدنية، وآيها: اثنتا عشرة آية، وحروفها: ألف وستون حرفا، وكلمها: مئتان وتسع وأربعون كلمة.

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .

[1] يا أيها النبي إذا طلقتم النساء أفرد - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب أولا تعظيما لشأنه، وجمع ثانيا مع أمته تشريفا لهم. قرأ نافع: (النبيء إذا) بالهمز والمد، وتسهيل الهمزة الثانية، وقرأ الباقون: بتشديد الياء بغير مد ولا همز، وتحقيق الهمزة الثانية، المعنى: إذا أردتم تطليقهن.

فطلقوهن لعدتهن أي: لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن، وهو [ ص: 82 ] أول طهر تعتد به، والمراد: أن يطلقها في طهر لم يصبها فيه، وهو طلاق السنة.

نزلت هذه الآية في عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما، كان قد طلق امرأته في حال الحيض، فقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء". قرأ ورش عن نافع: (طلقتم) (فطلقوهن) بتغليظ اللام، وكذلك كل لام مفتوحة مخففة أو مشددة إذا تقدمها صاد أو طاء أو ظاء بفتح أو سكون، وعنه خلاف في (طال) و (فصالا) ، وتقدم حكم الطلاق السني والبدعي ومذاهب الأئمة فيه في سورة الأحزاب عند تفسير قوله تعالى: سراحا جميلا [الآية: 49].

وأحصوا العدة اضبطوها، واحفظوا عدد أقراء العدة ثلاثا مستقبلات بلا نقصان؛ لتعلموا وقت الرجعة إن أردتم أن تراجعوهن؛ لأن الرجعة إنما تجوز في زمان العدة إذا كان الطلاق رجعيا بالاتفاق.

واتقوا الله ربكم في الإضرار بهن.

لا تخرجوهن من بيوتهن اللاتي يسكنها إذا طلقتموهن حتى تنقضي عدتهن، فإذا كان الطلاق رجعيا، فللزوجة السكنى بمنزل الطلاق، وليس لها الخروج منه حتى تنقضي عدتها بالاتفاق، وأما إذا كان الطلاق بائنا، فعند أحمد: الحق في إسكانها للزوج، فيسكنها حيث شاء مما يصلح [ ص: 83 ] لها؛ تحصينا لفراشه، ولو لم تلزمه نفقة، وعند الثلاثة: يلزمها التربص بمنزل الطلاق إلى انقضاء العدة.

ولا يخرجن بغير اختبارهن.

إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أي: زنا، فيخرجن لإقامة الحد، ثم يعدن.

قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم: (مبينة) بفتح الياء، والباقون: بكسرها.

وتلك الأحكام المذكورة حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لتعريضها للعقاب. قرأ أبو عمرو، وابن عامر، وورش، وحمزة، والكسائي، وخلف: (فقد ظلم) بإدغام الدال في الظاء، والباقون: بالإظهار.

لا تدري أيها النبي لعل الله يحدث بعد ذلك الطلاق.

أمرا أي: رغبة في الرجعة، وهذا دليل على استحباب تفريق الثلاث.

التالي السابق


الخدمات العلمية