الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : يسن تنظيف الثياب وطيها ويحسن تنظيف الثياب وطيها ويكره مع طول الغنى لبسك الردي ( ويحسن ) أي يسن ويندب ( تنظيف ) أي إزالة وسخ ( الثياب ) كلها من قميص ورداء وإزار وسراويل وعمامة وغيرها .

قال القاضي [ ص: 259 ] وغيره : يستحب غسل الثوب من الوسخ والعرق ، نص عليه في رواية المروذي وغيره ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما يجد هذا ما يغسل به ثوبه } { ورأى رجلا شعثا فقال : ما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه } رواه الإمام أحمد والخلال من حديث جابر رضي الله عنه . وعلله الإمام أحمد رضي الله عنه بأن الثوب إذا اتسخ تقطع .

وقال الميموني : ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف ثوبا ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وبدنه ولا أنقى ثوبا ، وأشده بياضا من الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه .

وروى وكيع عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يعجبه إذا قام إلى الصلاة الرائحة الطيبة والثياب النقية .

وروى أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : من مروءة الرجل نقاء ثوبه .

وقال في النهاية في حديث { إن الله نظيف يحب النظافة } : نظافة الله تعالى كناية عن تنزهه من سمات الحدث ، وتعاليه في ذاته عن كل نقص ، وحبه النظافة من غيره كناية عن خلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الأهواء ، ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها .

ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشبه ، ثم نظافة الظاهر لملابسة العبادات ، ومنه الحديث { نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن } أي صونوها عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب وأمثالها ، وعن أكل الحرام والقاذورات ، والحث على تطهيرها من النجاسات بالسواك . انتهى .

( و ) يحسن أيضا بمعنى يسن ( طيها ) أي الثياب ، وهو بالطاء المهملة والياء المثناة تحت فهاء فألف تأنيث من طوى الصحيفة يطويها : وذلك لئلا يستعملها الشيطان باللبس وغيره .

قال ابن العماد في منظومته في حق الشيطان :

    ويدخل البيت ينام فيه
بغير إذن ساء من سفيه


على ثياب لم تكن مطوية     إن لم يسم خالق البرية

أشار بذلك إلى ما رواه الديلمي عن جابر رفعه { طي الثوب راحته } . [ ص: 260 ] وقد روي من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة كلها واهية .

وفي كلام بعضهم : أطعني ليلا أجملك نهارا .

وأورده في الجامع الصغير عن جابر باللفظ المذكور ، قال المناوي أي راحته من لبس الشيطان ، فإن الشيطان لا يلبس ثوبا مطويا .

فينبغي ذلك .

ثم قال : قال ابن الجوزي لا يصح . انتهى ، وذكر السخاوي في المقاصد ما يقويه ، وفي التمييز : طي اللباس يزيد في زيه .

ورأيت في بعض النسخ بالباء بعد الياء من الطيب ، وهو مندوب أيضا .

قال في الفروع : ويتطيب ويستحب للرجل بما ظهر ريحه ، وخفي لونه ، والمرأة عكسه .

قال ابن الجوزي في آداب النساء : لأنها ممنوعة مما ينم عليها لقوله تعالى { ولا يضربن بأرجلهن } الآية .

وقد قال صلى الله عليه وسلم { حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة } رواه الطبراني في الكبير ، والنسائي في سننه ، والحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط مسلم .

مطلب : زيادة لفظة ثلاث في حديث حبب إلي من دنياكم .

وأما ما اشتهر في هذا الحديث من زيادة ثلاث فقال السخاوي : لم أقف عليها إلا في موضعين من الإحياء ، وفي تفسير آل عمران من الكشاف وما رأيتها في شيء من طرق هذا الحديث بعد مزيد التفتيش ، وبذلك صرح الزركشي فقال : إنه لم يرد فيه لفظة ثلاث .

قال : وزيادتها محيلة للمعنى ، فإن الصلاة ليست من الدنيا انتهى .

قلت : وفي موضوعات على القارئ بعد إيراده الحديث ما نصه : وأما زيادة ثلاث الواقعة في كلام الغزالي وغيره فلا أصل لها كما قاله الحفاظ ، وإن تكلف الإمام ابن فورك في توجيهها انتهى .

وهذا يعني التطيب بالطيب ، وإن كان مندوبا فليس بمراد في كلام الناظم بل الطي أولى ، والله - تعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية