الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 48 ] باب ) أحكام العارية [ ص: 49 ] صح وندب : إعارة مالك منفعة بلا حجر : وإن مستعيرا

التالي السابق


( باب ) في بيان أحكام العارية

ابن عرفة الجوهري العارية بالتشديد كأنها منسوبة إلى العار ، لأن طلبها عار والعارة مثل العارية ، يقال هم يتعيرون العواري بينهم ، وقيل مستعار بمعنى متعاور ، أي متداول . وفي بعض حواشي الصحاح ما ذكره من أنها من العار وإن كان قيل فليس هو الوجه ، والصحيح أنها من التعاور الذي هو التداول وزنها فعلية ويحتمل أنها من عراه يعروه إذا قصده ، فوزنها فاعولة أو فلعية على القلب . ولما ذكر ابن عبد السلام كلام الجوهري أنكر عليه كونها منسوبة إلى العار لأنه لو كان كذلك لقالوا يتعيرون ، لأن العار عينه ياء . قلت في المخصص لابن سيده ما نصه وتعورنا العواري وتعورنا الشيء تداولناه . وقيل العارية من ذوات الياء لأنها عار على صاحبها ، وقد تعيروها بينهم . قلت وهذا نص بأنها من ذوات الياء ، ولكن قال ابن سيده في المحكم والعارية المنحة . قال بعضهم إنها من العار ، وهو ضعيف غره قولهم يتعيرون العواري وليس على وضعه إنما هي معاقبة من الواو إلى الياء . قلت وقد يرد بأن الأصل عدم المعاقبة ا هـ ، وفي رده على ابن سيده بمثل هذا نظر .

وفي القاموس والعارية مشددة وقد تخفف ، والعارة ما تداولوه بينهم والجمع عواري [ ص: 49 ] مشددة ومخففة ابن عرفة وهي مصدرا تمليك منفعة مؤقتة لا بعوض فتدخل العمرى والإخدام لا الحبس واسما مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بلا عوض ، ونقض طردهما بإرث منفعة ممن حصلها بعوض لحصولها للوارث بلا عوض منه . ويجاب بأن عموم نفي العوض لأنه نكرة في سياق النفي يخرجها لأنها بعوض لمالك العين من الميت ، وقول ابن شاس وابن الحاجب تمليك منافع العين بغير عوض يبطل طرده بالحبس ، وعكسه بأنه لا يتناولها إلا مصدرا . والعرف إنما هو استعمالها اسما للشيء المعار .

البناني قوله وأورد على التعريف أنه صادق إلخ لا يحتاج إليه لأن لفظ التمليك لا يشملها إذ الإرث ملك لا تمليك ، وانظر من أين أخرج ابن عرفة الحبس ، فإن أخرجه من لفظ منفعة كما فهمه الرصاع قائلا لأن فيه ملك الانتفاع لا المنفعة ففيه نظر من وجهين ، أحدهما ما في التوضيح أن المحبس عليه يملك المنفعة ، بدليل أنه يؤاجر لغيره . ثانيهما أن حمل المنفعة على ما فهمه من المعنى الأخص يخرج العارية التي اشترط ربها على مستعيرها انتفاعه بها بنفسه فقط ، فيصير التعريف غير جامع ، وإن أخرجه بقوله مؤقتة وهو الظاهر ، ورد عليه أن الحبس لا يشترط فيه التأبيد إلا أن يقال إن المؤقت من إفراد العارية والله أعلم .

( صح وندب إعارة ) شخص رشيد ( مالك منفعة ) تبعا لملك الذات أو بإجارة أو عارية ، فلا يشترط فيها ملك الذات ، ففي وصايا المدونة الثاني للرجل أن يؤاجر ما أوصى له به من سكنى دار أو خدمة عبد حال كون مالك المنفعة ( بلا حجر عليه ) إن كان مالكا للذات والمنفعة أو المنفعة فقط بإجارة ، بل ( وإن ) كان ( مستعيرا ) فلا [ ص: 50 ] تصح من محجور عليه لصغر أو سفه أو رق أو دين أو زوجية أو مرض ، أو من مستعير حجر عليه المعير . ابن يونس العارية جائزة مندوب إليها لقوله تعالى { وافعلوا الخير } ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { كل معروف صدقة } . ابن عرفة وهي من حيث ذاتها مندوب إليها لأنها إحسان { والله يحب المحسنين } ، ويعرض وجوبها كغنى عنها لمن يخشى هلاكه بعدمها وحرمتها لكونها معينة على معصية ، وكراهتها لكونها معينة على مكروه وتباح لغني عنها وفيه نظر لاحتمال كراهتها في حقه .

( تنبيهات )

الأول : القرطبي من الغلو منع الكتب عن أهلها ، وكذلك غيرها .

الثاني : الحط مراده هنا بالحجر ما هو أعم من الحجر المتقدم في بابه ليشمل حجر المعير على المستعير من الإعارة ، فلا تصح إعارته . ابن سلمون العارية مندوب إليها ، وتصح من كل مالك للمنفعة ، وإن ملكها بإجارة أو إعارة ما لم يحجر عليه في ذلك ، ومن استعار شيئا لمدة أو اكتراه فله أن يعيره لمثله في تلك المدة أو يكره إلا أن يشترط عليه أن لا يفعل ذلك .

الثالث : عب قوله بلا حجر متعلق يصح لا يندب لإبهامه أن المحجور عليه تصح منه وليس كذلك .

الرابع : عب قوله وإن مستعيرا مبالغة في الصحة لا في الندب إذ إعارة المستعير مكروهة إن لم يحجر عليه وإلا فلا تصح .

الخامس : مثل الحجر الصريح الحجر الضمني نحو لولا أخوتك ، أو لولا صداقتك ما أعرتك أفاده عب .




الخدمات العلمية