الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأقضية باب اليمين على المدعى عليه

                                                                                                                1711 حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا ابن وهب عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه [ ص: 367 ] [ ص: 368 ] [ ص: 369 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 367 ] [ ص: 368 ] [ ص: 369 ] كتاب الأقضية

                                                                                                                قال الزهري - رحمه الله تعالى - : القضاء في الأصل إحكام الشيء والفراغ منه ، ويكون القضاء إمضاء الحكم . ومنه قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل وسمي الحاكم قاضيا ; لأنه يمضي الأحكام ويحكمها ، ويكون ( قضى ) بمعنى أوجب ، فيجوز أن يكون سمي قاضيا لإيجابه الحكم على من يجب عليه ، وسمي حاكما لمنعه الظالم من الظلم ، يقال : حكمت الرجل ، وأحكمته : إذا منعته ، وسميت حكمة الدابة ; لمنعها الدابة من ركوبها رأسها ، وسميت الحكمة حكمة ; لمنعها النفس من هواها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه . وفي رواية : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه ) هكذا روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما مرفوعا من رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم ، قال القاضي عياض - رضي الله عنه - : قال الأصيلي : لا يصح مرفوعا ، إنما هو قول ابن عباس ، كذا رواه أيوب ونافع الجمحي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس . قال القاضي : قد رواه البخاري ومسلم من رواية ابن جريج مرفوعا ، هذا كلام [ ص: 370 ] القاضي . قلت : وقد رواه أبو داود والترمذي بأسانيدهما عن نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وجاء في رواية البيهقي وغيره بإسناد حسن أو صحيح زيادة " بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " . وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه ، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه ، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك . وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه ، لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح ، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه ، وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة .

                                                                                                                وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه حق . سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا ، وقال مالك وجمهور أصحابه والفقهاء السبعة فقهاء المدينة : إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد ، فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة .

                                                                                                                واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل : هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو بشاهدين ، وقيل : تكفي الشبهة ، وقيل : هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله ، وقيل : أن يليق به أن يعامله بمثلها ، ودليل الجمهور حديث الباب ، ولا أصل لاشتراط الخلطة في كتاب ولا سنة ولا إجماع .




                                                                                                                الخدمات العلمية