الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "المكانة" : تكون مصدرا ، يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، وبمعنى المكان ، يقال : مكان ومكانة ، ومقام ومقامة ، وقوله : اعملوا على مكانتكم ، يحتمل : اعملوا على تمكنكم من أمركم ، وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها ، يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله : على مكانتك يا فلان ، أي : اثبت [ ص: 399 ] على ما أنت عليه لا تنحرف عنه إني عامل أي : عامل على مكانتي التي أنا عليها ، والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي ; فإني ثابت على الإسلام ، وعلى مصابرتكم فسوف تعلمون : أينا تكون له العاقبة المحمودة ، وطريقة هذا الأمر طريقة قوله : اعملوا ما شئتم [فصلت : 40] ، وهي "التخلية" ، والتسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر ، فكأنه مأمور به ، وهو واجب عليه حتم ليس له أن يتفصى عنه ، ويعمل بخلافه .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : ما موضع "من"؟

                                                                                                                                                                                                قلت : الرفع إذا كان بمعنى : "أي" ، وعلق عنه فعل العلم ، أو النصب إذا كان بمعنى : "الذي" ، و عاقبة الدار : العاقبة الحسنى التي خلق الله - تعالى - هذه الدار لها ، وهذا طريق من الإنذار لطيف المسلك ، فيه إنصاف في المقال ، وأدب حسن ، مع تضمن شدة الوعيد ، والوثوق بأن المنذر محق والمنذر مبطل .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية