الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في بيان النظر على الوقف وشرطه ووظيفة الناظر .

                                                                                                                            ( إن ) كان الوقف للاستغلال لم يتصرف فيه سواء ناظره الخاص أو العام أو لينتفع به الموقوف عليه وأطلق أو قال : كيف شاء فله استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره بأن يركبه الدابة مثلا ليقضي له عليها حاجة فلا ينافي ذلك ما مر آنفا في قول المصنف بإعارة وإجارة وما قيدناه به ، ثم إن ( شرط الواقف النظر لنفسه أو غيره ) ( اتبع ) كبقية شروطه لما روي أن عمر رضي الله عنه ولى أمر صدقته ثم جعل لحفصة ما عاشت ثم لأولي الرأي من أهلها ، وقبول من شرط له النظر كقبول الوكيل فيما يظهر لا الموقوف عليه ما لم يشرط له شيء من ريع الوقف على ما بحثه بعضهم ودعوى السبكي أنه بالإباحة أشبه فلا يرتد بالرد بعيد بل لو قبله ثم أسقط حقه منه سقط ، إلا أن يشترط نظره حال الوقف فلا ينعزل بعزل نفسه [ ص: 398 ] على الراجح خلافا لمن زعم خلافه .

                                                                                                                            نعم يقيم الحاكم متكلما غيره مدة إعراضه ، فلو أراد العود لم يحتج إلى تولية جديدة ( وإلا ) أي وإن لم يشرطه لأحد ( فالنظر للقاضي ) [ ص: 399 ] أي قاضي بلد الموقوف عليه مر نظيره في مال اليتيم ( على المذهب ) إذ نظره عام فهو أولى من غيره ولو واقفا وموقوفا عليه وإن كان معينا وما جزم به الماوردي من ثبوته للواقف بلا شرط في مسجد المحلة والخوارزمي في سائر المساجد وزاد أن ذريته مثله مردود .

                                                                                                                            والطريق الثاني ينبني على أقوال الملك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في بيان النظر على الوقف وشرطه .

                                                                                                                            ( قوله : ووظيفة الناظر ) أي وما يتبع ذلك كعدم انفساخ الإجارة بزيادة الأجرة ( قوله : وما قيدناه به ) أي من قوله إن كان ناظرا إلخ ( قوله : كبقية شروطه ) ومنها ما لو شرط أن يؤجر بأكثر من كذا فيتبع ، وإن كان ما شرطه دون أجرة مثل تلك الأماكن الموقوفة فيؤجره الناظر بما شرطه الواقف ولو كان المستأجر غنيا حيث لم يكن شرط الواقف ما يمنعه ، فلو أجر بأكثر مما شرطه الواقف فالإجارة فاسدة ، ويجب على المستأجر ما شرطه الواقف إن كان دون أجرة المثل وأجرة المثل إن كان ما شرطه زائدا عليها ; لأن أجرة المثل هي اللازمة حيث فسدت الإجارة وما أخذ من المستأجر زائدا على ما وجب عليه لا يملكه الآخذ .

                                                                                                                            ( قوله : صدقته ) أي وقفه ، وقوله سقط : أي وانتقل لمن بعده ( قوله : إلا أن يشترط نظره ) يتأمل الاستثناء ، فإن انعزاله وعدمه مسألة أخرى إن كان المراد بقوله بل لو قبله ثم أسقط حقه إلخ أنه أسقط حقه من الريع ، وإن كان المراد أنه أسقط حقه من النظر فالثانية عين الأولى فيتحد المستثنى والمستثنى منه ، وعبارة حج : وإن شرط نظره حال الوقف فلا يعود إلا بتولية الحاكم كما اقتضاه كلام الروضة خلافا لمن نازع فيه ، ويؤيده كلامهم في الوصي ا هـ .

                                                                                                                            وهي تفيد أنهما مقالتان .

                                                                                                                            ( قوله : فلا ينعزل بعزل نفسه إلخ ) ومن عزل نفسه ما لو أسقط حقه من النظر لغيره بفراع له فلا يسقط حقه ويستنيب القاضي من يباشر عنه في الوظيفة ، ثم هذا مع قوله السابق كبقية شروطه يفيد أن الواقف إذا شرط من الوظائف شيئا لآخر حال الوقف اتبع ومنه ما لو شرط الإمامة أو الخطابة لشخص ولذريته ثم إن المشروط له ذلك فرغ عنهما لآخر [ ص: 398 ] وباشر المفروغ له فيهما مدة ثم مات الفارغ عن أولاد ، وهو أن الحق في ذلك ينتقل للأولاد على ما شرطه الواقف ثم ما استغله المفروغ من غلة الوقف لا يرجع عليه بشيء منه لأنه استحقه في مقابلة العمل سيما وقد قرره الحاكم ، غاية الأمر أن تقريره وإن كان صحيحا لكنه بالنيابة عن الفارغ ، وكذلك لا رجوع للمفروغ له على تركة الفارغ بما أخذه في مقابلة الفراغ وإن انتقلت الوظيفة عنده لأولاد الفارغ لأنه إنما دفع الدراهم في مقابلة إسقاط الحق له وقد وجد وقرره الحاكم على مقتضاه .

                                                                                                                            وأما أنه كان يظن أن الحق ينتقل إليه مطلقا وتبين خلافه فلا يقتضي الرجوع لنسبته في عدم البحث عن ذلك أولا إلى تقصير فأشبه من باع شيئا وهو مغبون فيه بعدم علمه بقيمته ، وفي فتاوى الشارح ما يصرح بانتقال الحق للأولاد حيث قال في جواب في صورته سئل عن واقف شرط الوظيفة الفلانية لزيد وأولاده وذريته من بعده وشرط أن من نزل من أرباب الوظائف سقط حقه من ذلك ولا يستحق المنزول له شيئا بل يقرر الناظر الشرعي غيرهما ، ثم إن فلانا فرغ عن وظيفته لآخر وقرر الناظر أجنبيا غيرهما .

                                                                                                                            ثم مات النازل فهل يستحق أولاده الوظيفة بعده ؟ فأجاب بأنهم يستحقون ذلك عملا بشرط الواقف ولصدق البعدية بذلك ، ولم يشرط الواقف لاستحقاق الأولاد بقاء استحقاق والدهم ذلك إلى وفاته ، وما نسب إلي من الإفتاء بخلاف ذلك فقد رجعت عنه إن كان صحيحا انتهى .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال عن رجل وقف وقفا مستوفيا للشروط الشرعية وعين فيه وظائف من جملتها وظيفة المباشرة على وقفه وجعلها لشخص معين وكذلك جعل غيرها لأشخاص معينين ، ثم بعد ذلك شرط في مكتوب وقفه أن من مات من الأشخاص المجعول لهم الوظائف المذكورة وله ولد أو ولد ولد أو أخ أو قريب قرر مكانه ، ثم إن ولده بعد مدة فرغ عن الوظيفة المذكورة لشخص وتكرر ذلك الفراغ لأشخاص متعددين ثم توفي المقرر المذكور الصادر منه الفراغ المذكور وترك ولدا ، ثم إن الولد تنازع مع من هي بيده الآن فهل له المنازعة فيها أم الحق فيها لمن هي بيده الآن أم كيف الحال ؟ والجواب : الحمد لله حيث لم يزد الواقف في شرطه على قوله قرر مكانه سقط حق المقرر في الوظيفة بفراغه عنها ، فإذا مات بعد ذلك عن ولد لم يكن للولد حق لأن أباه حين مات لم يكن له حق في الوظيفة ينتقل عنه لولده فيستمر الحق فيها لمن قرر بالفراغ ، ولا حق للولد المذكور في ذلك فلا يلتفت لمنازعته إذ لم يشرط الواقف لغيره من قرر عن والده حقا ومن ثم أفتى الشمس الرملي في شرط الوظيفة الفلانية لزيد ولأولاده ولذريته من بعده ، ثم فرغ زيد عن وظيفته لآخر ثم مات زيد عن أولاد بانتقال الحق من المفروغ له لأولاد الفارغ عملا بقول الواقف ولذريته من بعده ، فأفهم أنه لو اقتصر على قوله لزيد ولم يذكر ذريته من بعده عدم الانتقال للأولاد وما نحن فيه لم يزد واقفه على أن من مات وله ولد يجوز مكانه فأفاد ذلك عدم استحقاق الولد المذكور والله أعلم ، وفي حج : فرع : شرط الواقف لناظر وقفه فلان قدرا فلم يقبل النظر إلا بعد مدة بأن استحقاقه لمعلوم النظر من حين آل إليه ، كذا قيل ، وإنما يتجه في المعلوم الزائد على أجرة المثل لأنه لا يقصد كونه في مقابلة عمل ، بخلاف المعلوم المساوي لأجرة مثل نظر هذا الوقف أو الناقص عنه لا يستحقه فيما مضى لأنه في مقابلة عمله ولم يوجد منه فلا وجه لاستحقاقه له ا هـ .

                                                                                                                            وفيه أيضا : وبحث بعضهم أنه لو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه ولو بإجارته إن عرفها ، وإلا فوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها ا هـ .

                                                                                                                            ( قوله : وإن لم يشرطه لأحد ) أي إن لم يعلم شرطه لأحد سواء علم شرطه أو جهل الحال [ ص: 399 ]

                                                                                                                            ( قوله : أي قاضي بلد الموقوف عليه ) عبارة حج : أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه ونحو إجارته ، وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك نظير ما مر ، في مال اليتيم ، وهي ظاهرة ولعلها مراد الشارح بقوله كما مر إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وإن كان ) أي الموقوف عليه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 396 - 397 ] فصل ) في بيان النظر إلخ [ ص: 398 - 399 ] ( قوله : أي : قاضي بلد الموقوف عليه ) أي : بالنسبة لغير نحو الحفظ والإجارة وقاضي بلد الموقوف بالنسبة لذلك كما هو قضية التشبيه وصرح به الشهاب حج ، ولعله سقط من نسخ الشارح من الكتبة




                                                                                                                            الخدمات العلمية