الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد الخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، والمراد منه أمته ، وكثيرا ما يخاطب سيد القوم بشيء ويراد أتباعه فيقوم خطابه مقام خطابهم ، ويحتمل أن يكون عاما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره بطريق التغليب تطييبا لقلوب المخاطبين ، وقيل : إنه خطاب له عليه الصلاة والسلام على أن المراد تثبيته صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه كقوله تعالى : فلا تطع المكذبين وضعف بأنه عليه الصلاة والسلام لا يكون منه تزلزل حتى يؤمر بالثبات - وفيه نظر لا يخفى - والنهي في المعنى للمخاطب أي لا تغتر بما عليه الكفرة من التبسط في المكاسب والمتاجر والمزارع ووفور الحظ ، وإنما جعل النهي ظاهرا للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب ، فإن تغرير التقلب للمخاطب سبب واغتراره به مسبب ، فمنع السبب بورود النهي عليه ليمتنع المسبب الذي هو اغترار المخاطب بذلك السبب على طريق برهاني وهو أبلغ من ورود النهي على المسبب من أول الأمر قالوا : وهذا على عكس قول القائل : لا أرينك هنا فإن فيه النهي عن المسبب وهو الرؤية ليمتنع السبب وهو حضور المخاطب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأورد عليه أن الغارية والمغرورية متضايفان ، وقد صرحوا بأن القطع والانقطاع ونحو ذلك مثلا متضايفان ، وحقق أن المتضايفين لا يصح أن يكون أحدهما سببا للآخر بل هما معا في درجة واحدة ، فالأولى أن يقال : علق النهي بكون التقلب غارا ليفيد نهي المخاطب عن الاغترار لأن نفي أحد المتضايفين يستلزم نفي الآخر ، ولا يخفى أن هذا مبني على ما لم يقع الإجماع عليه ، ولعل النظر الصائب يقضي بخلافه ، وفسر الموصول بالمشركين [ ص: 172 ] من أهل مكة ، فقد ذكر الواحدي أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله تعالى فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت الآية ، وبعض فسره باليهود ، وحكى أنهم كانوا يضربون في الأرض ويصيبون الأموال والمؤمنون في عناء فنزلت ، وإلى ذلك ذهب الفراء ، والقول الأول أظهر ، وأيا ما كان فالجملة مسوقة لتسلية المؤمنين وتصبيرهم ببيان قبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا إثر بيان حسن ما سينالونه من الثواب الجزيل والنعيم المقيم ، وقرأ يعقوب برواية رويس وزيد (ولا يغرنك) بالنون الخفيفة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية