الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين

                                                                                                                                                                                                [ ص: 409 ] سيقول الذين أشركوا : إخبار بما سوف يقولونه ، ولما قالوه قال : وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء [النحل : 35] يعنون بكفرهم وتمردهم : أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله ، بمشيئة الله وإرادته ، ولولا مشيئته ، لم يكن شيء من ذلك ; كمذهب المجبرة بعينه كذلك كذب الذين من قبلهم أي : جاءوا [ ص: 410 ] بالتكذيب المطلق ; لأن الله - عز وجل - ركب في العقول وأنزل في الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح ، وإرادتها ، والرسل أخبروا بذلك ، فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته ، فقد كذب التكذيب كله ، وهو تكذيب الله ، وكتبه ، ورسله ، ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره حتى ذاقوا بأسنا : حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم قل هل عندكم من علم : من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم فتخرجوه لنا : وهذا من التهكم ، والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة إن تتبعون إلا الظن : في قولكم هذا وإن أنتم إلا تخرصون : تقدرون أن الأمر كما تزعمون أو تكذبون ، وقرئ : "كذلك كذب الذين من قبلهم" : بالتخفيف قل فلله الحجة البالغة يعني : فإن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله ، فلله الحجة البالغة عليكم على قود مذهبكم فلو شاء لهداكم أجمعين : منكم ومن مخالفيكم في الدين ، فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله ، يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم - أيضا - بمشيئته ، فتوالوهم ولا تعادوهم ، وتوافقوهم ولا تخالفوهم ; لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية