الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين

                                                          * * *

                                                          النداء للمؤمنين بالبعيد ليكون التنبيه قويا، ونادى بالموصول للإشارة إلى أن الإيمان يقتضي ألا يكون ولاء المؤمن لغير المؤمنين، ومعنى النص: يا أيها الذين آمنوا وحسن إيمانهم بالله، لا تتخذوا الكافرين بالله الذين لم يخلصوا له نصراء لكم تدخلون في ولايتهم وتكونون تابعين لهم وتتركون المؤمنين، فإن ذلك لا يتفق مع الإيمان، فالمراد بالولاية هنا النصرة والانتماء إلى جماعة الكافرين، وإن الولاء يطلق بمعنى المحبة، وبهذا المعنى جاء النهي عنه، وهو التبعية والنصرة، وإن هذا الأخير منهي عنه بالاتفاق، ولا يجوز من المؤمن إلا اتقاء الأذى إن تيقن الإيذاء، أما المحبة فغير منهي عنها إلا أن يكون الكافر قد انتقل إلى المحادة والعداوة، ولا يقتصر على مجرد الكفر، ولذلك قال تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [المجادلة].

                                                          وقوله تعالى: دون المؤمنين يشير إلى أنهم يتركون المؤمنين لينضموا إلى ولاية الكافرين، وذلك لا يسوغ من مسلم ، ولذلك قال تعالى:أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا

                                                          الاستفهام للإنكار والتوبيخ إن وقع هذا منهم، وهو يتضمن التهديد لهم بتسليط مقت الله عليهم إن فعلوا فهو استفهام يتضمن إنكارا للوقوع، أي لا يقع منهم، ولا يصح أن يقع، ويتضمن التحذير والإنذار، والمعنى: إنكم إن فعلتم ذلك فقد جعلتم لله حجة في عقابكم، وتسليط ذنوبكم عليكم وتخليه عن نصركم فإن نصر الله لا يكون إلا لمن يطلب النصرة من الله وحده، ولن ينصر الله من يستنصر بغير الله كما قال تعالى: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم [ ص: 1922 ] وإذا كان الاستنصار بغير المؤمنين يترتب عليه هذا فهل تريدون أيها المؤمنون أن تجعلوا لله تعالى سبيلا بينا واضحا يخذلكم بسببه بعد النصرة، ويعاقبكم عليه بعد الإيمان، ويذهب شوكتكم; لا يسوغ ذلك منكم، فاحذروه، اللهم اجعل ولاءنا لك، ولا تجعل نصرتنا من غيرك.

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية