الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : لا خير في كثير من نجواهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس : (من جاءك يناجيك في هذا فاقبل مناجاته، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت عنه ذاك، لا تناجيه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان إلا من أمر بصدقة أو معروف قال : المعروف القرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن أبي الدنيا في (الصمت)، وعبد الله بن أحمد في زوائد ((الزهد))، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في (شعب الإيمان) من طريق محمد بن يزيد بن خنيس قال : دخلنا على سفيان الثوري نعوده ومعنا سعيد بن حسان المخزومي فقال له سفيان : أعد علي الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح، قال : حدثتني أم صالح بنت صالح، عن صفية بنت شيبة، عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : [ ص: 6 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا أمرا بمعروف، أو نهيا عن منكر، أو ذكرا لله عز وجل)، فقال محمد بن يزيد : ما أشد هذا الحديث! فقال سفيان : وما شدة هذا الحديث؟ إنما جاءت به امرأة، عن امرأة، هذا في كتاب الله الذي أرسل به نبيكم صلى الله عليه وسلم، أما سمعت الله يقول : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ؟ فهو هذا بعينه، أوما سمعت الله يقول : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [النبإ : 38] فهو هذا بعينه، أوما سمعت الله يقول : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [العصر : 1-3]؟ فهو هذا بعينه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، والبيهقي ، عن أبي شريح الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، والبيهقي ، عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 7 ] (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري في (الأدب)، والترمذي وصححه، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان : الفم والفرج) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، والبيهقي ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله، مرني بأمر أعتصم به في الإسلام . قال : (قل : آمنت بالله ثم استقم)، قلت : يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ قال : (هذا) وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي عمرو الشيباني قال : حدثني صاحب هذه الدار - يعني عبد الله بن مسعود - قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل؟ قال : (الصلاة على ميقاتها)، قلت : ثم ماذا يا رسول الله؟ قال : (ثم بر [ ص: 8 ] الوالدين)، قلت : ثم ماذا يا رسول الله؟ قال : (أن يسلم الناس من لسانك)، قال : ثم سكت ولو استزدته لزادني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي، والبيهقي ، عن عقبة بن عامر قال : قلت : يا نبي الله، ما النجاة؟ قال : (املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في (تاريخه)، وابن أبي الدنيا في (الصمت)، والبيهقي ، عن أسود بن أصرم المحاربي قال : قلت يا رسول الله، أوصني، قال : (هل تملك لسانك؟) قلت : فما أملك إذا لم أملك لساني؟ قال : (فهل تملك يدك؟) قلت : فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال : (فلا تقل بلسانك إلا معروفا، ولا تبسط يدك إلا إلى خير) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن الحسن قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (رحم الله عبدا تكلم فغنم، أو سكت فسلم) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار : (رحم الله امرأ تكلم فغنم، أو سكت فسلم) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 9 ] وأخرج البيهقي عن ابن مسعود ، أنه أتى على الصفا فقال : يا لسان، قل خيرا تغنم، أو اصمت تسلم، من قبل أن تندم، قالوا : يا أبا عبد الرحمن، هذا شيء تقوله أو سمعته؟ قال : لا، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في ((الزهد))، والبيهقي ، عن سعيد بن جبير قال : رأيت ابن عباس آخذا بثمرة لسانه وهو يقول : يا لساناه، قل خيرا تغنم، أو اسكت عن شر تسلم، قبل أن تندم، فقال له رجل : ما لي أراك آخذا بثمرة لسانك تقول كذا وكذا؟ قال : إنه بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق منه على لسانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو يعلى ، والبيهقي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سره أن يسلم فليلزم الصمت) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي أبا ذر فقال : ( يا أبا ذر، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما؟) قال : بلى يا رسول الله، قال : عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، والذي نفس محمد بيده ما عمل الخلائق بمثلهما) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 10 ] وأخرج البيهقي عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله، أوصني، قال : (أوصيك بتقوى الله فإنه أزين لأمرك كله)، قلت : زدني، قال : (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله، فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض)، قلت : زدني، قال : (عليك بطول الصمت، فإنه مطردة للشيطان، وعون لك على أمر دينك)، قلت : زدني، قال : (إياك وكثرة الضحك) فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه)، قلت : زدني، قال : (قل الحق، وإن كان مرا)، قلت : زدني، قال : (لا تخف في الله لومة لائم)، قلت : زدني، قال : (ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ركب المصري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي، والبيهقي ، عن أبي سعيد الخدري، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا أصبح ابن آدم فإن كل شيء من الجسد يكفر اللسان، يقول : ننشدك الله فينا، فإنك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في ((الزهد))، والبيهقي ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن [ ص: 11 ] عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر وهو يمد لسانه، قال : ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال : إن هذا الذي أوردني الموارد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي جحيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أي الأعمال أحب إلى الله؟) قال : فسكتوا فلم يجبه أحد، قال : (هو حفظ اللسان) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (مقام الرجل بالصمت أفضل من عبادة ستين سنة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والترمذي وصححه، وابن ماجه والحاكم ، والبيهقي ، عن معاذ بن جبل قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأصاب الناس ريح فتقطعوا، فضربت ببصري، فإذا أنا قريب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : لأغتنمن خلوته اليوم، فدنوت منه فقلت : يا رسول الله، أخبرني بعمل يقربني، أو قال : يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال : (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير)، قلت : أجل يا رسول الله، قال : [ ص: 12 ] (الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل يبتغي به وجه الله) ، ثم قرأ الآية : تتجافى جنوبهم عن المضاجع [السجدة : 16] ثم قال : (إن شئت أنبأتك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه)، قلت : أجل، يا رسول الله، قال : (أما رأس الأمر فالإسلام، وأما عموده، فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد، وإن شئت أنبأتك بأملك الناس من ذلك كله)، قلت : ما هو يا رسول الله، فأشار بإصبعه إلى فيه، فقلت : وإنا لنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال : (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم، وهل تتكلم إلا ما عليك أو لك؟)

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في (الشعب) عن مكحول، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث لمعاذ : (إنك ما كنت ساكتا، فإذا تكلمت فلك أو عليك) . وأخرج البيهقي عن عطاء بن أبي رباح قال : إن من قبلكم كانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله، أو أمر بمعروف، أو نهي عن [ ص: 13 ] منكر، وأن تنطق في معيشتك التي لا بد لك منها، أتذكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ؟ أما يستحي أحدكم لو نشرت صحيفته التي أملى صدر نهاره وليس فيها شيء من أمر آخرته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن سعد عن أنس بن مالك قال : لا يتقي الله عبد حتى يخزن من لسانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد ((الزهد))، والحكيم الترمذي في (نوادر الأصول)، عن أبي الدرداء قال : ما في المؤمن بضعة أحب إلى الله من لسانه، به يدخله الجنة، وما في الكافر بضعة أبغض إلى الله من لسانه، به يدخله النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في ((الزهد)) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن دراهمك . [ ص: 14 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في ((الزهد))، عن سلمان الفارسي قال : أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما في معصية الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال : أكثر الناس خطايا أكثرهم خوضا في الباطل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال : والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية