الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 676 ] فصل

قال الرازي: البرهان الثالث أنه يمتنع أن يكون الله مختصا بالجهة والحيز، هو أنه لو كان مختصا بالجهة والحيز، لكان لا يخلو إما أن يقال: إنه غير متناه من جميع الجوانب، أو يقال: إنه متناه من كل الجوانب، والأقسام الثلاثة باطلة؛ فالقول بكونه مختصا بحيز وجهة باطل.

[ ص: 677 ] أما قولنا إنه يمتنع أن يكون غير متناه من جميع الجوانب، فيدل عليه وجوه:

الأول: أن وجود بعد لا نهاية له محال، والدليل عليه أن فرض بعد غير متناه يفضي إلى المحال، فوجب أن يكون محالا، وإنما قلنا إنه يفضي إلى المحال لأنا إذا فرضنا بعدا غير متناه وفرضنا بعدا آخر متناهيا موازيا له ثم زال الخط المتناهي من الموازاة إلى المسامتة، فنقول: هذا يقتضي أن يحصل من الخط الأول الذي هو غير متناه نقطة هي أول نقط المسامتة، وذلك الخط المتناهي ما كان مسامتا للخط الغير متناهي، ثم صار مسامتا له، فكانت هذه المسامتة حادثة في [ ص: 678 ] أول أوان حدوثها لابد وأن تكون مع نقطة معينة، فتكون تلك النقطة هي أول نقطة المسامتة، لكن كون الخط غير متناه يمنع من ذلك؛ لأن المسامتة مع النقطة الفوقانية تحصل قبل المسامتة مع النقطة التحتانية، فإذا كان الخط غير متناه فلا نقطة فيه إلا وفوقها نقطة أخرى؛ وذلك يمنع من حصول المسامتة في المرة الأولى مع نقطة معينة؛ فثبت أن هذا يقتضي أن يحصل في الخط الغير متناه نقطة هي أول نقطة المسامتة، وأن لا يحصل. وهذا المحال إنما لزم من فرضنا أن ذلك الخط غير متناه؛ فوجب أن يكون في ذلك محالا، فثبت أن القول بوجود بعد غير متناه محال .

الوجه الثاني: وهو أنه إذا كان القول بوجود بعد غير [ ص: 679 ] متناه ليس محالا؛ فعند هذا لا يمكن إقامة الدليل على كون العالم متناهيا بكليته، وذلك باطل بالإجماع .

الوجه الثالث: أنه لو كان غير متناه من جميع الجوانب لوجب أن لا يخلو شيء من الجهات والأحياز عن ذاته؛ فحينئذ يلزم أن يكون العالم مخالطا لأجزاء ذاته وأن تكون القاذورات والنجاسات كذلك، وهذا لا يقوله عاقل.

وأما القسم الثاني: وهو أن نقول إنه غير متناه من بعض الجوانب ومتناه من سائر الجوانب، فهو أيضا باطل لوجهين:

أحدهما: أن البرهان الذي ذكرناه على امتناع بعد غير [ ص: 680 ] متناه قائم، سواء قيل من كل الجوانب أو من بعض الجوانب.

الثاني: أن الجانب الذي فرض أنه غير متناه والجانب الذي فرض أنه متناه إما أن يكونا متساويين في الحقيقة والماهية وإما أن لا يكونا كذلك.

أما القسم الأول: فإنه يقتضي أن يصح على كل واحد من هذين الجانبين ما يصح على الجانب الآخر، وذلك يقتضي أن ينقلب الجانب المتناهي غير متناه والجانب الغير متناه متناهيا، وذلك يقتضي جواز الفصل والوصل والزيادة والنقصان على ذات الله تعالى، وهو محال.

التالي السابق


الخدمات العلمية