الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قول المعترض: "لا نسلم أن كل ممكن فهو محتاج إلى علة خارجة عنه، فإن المجموع المركب من الواجب والممكن ممكن لافتقاره إلى الممكن، وليس محتاجا إلى علة خارجة عنه".

فيقال له: أولا: منشأ هذه الشبهة أن لفظ "المجموع" فيه إجمال يراد به نفس الهيئة الاجتماعية، ويراد به جميع الأفراد، ويراد به المجموع، والمجموع المركب الذي هو كل واحد واحد من الأفراد لا يفتقر [ ص: 232 ] إلى الممكن، فإن منها الواجب. وهو لا يفتقر إلى الممكن ولكن الهيئة الاجتماعية إذا قدر أن لها تحققا في الخارج فهي التي يقال: إنها متوقفة على الممكن. وحينئذ فيظهر الفرق بين مجموع الممكنات ومجموع الموجودات، فإن مجموع الممكنات هو نفس الهيئة الممكنة، وكل من الأفراد ممكن، والمجموع المتوقف على الممكن أولى بالإمكان. وأما مجموع الموجودات فليس كل منها ممكنا، بل منها الواجب، فليس المجموع ممكنا، بمعنى أن كل واحد منها ممكن، فظهر الفرق.

وحينئذ فيقال له: هذا باطل من وجوه:

أحدها: أن يقال: أنت قد قلت في الاعتراض على الدليل الأول: إن الواجب لذاته علة لمجموع الموجودات. وقلت هنا: إن المجموع مفتقر إلى الممكن، فإن كان معلول الواجب يجب استغناؤه عن الممكنات بطل اعتراضك الأول وصح الدليل الأول، لأنه حينئذ لا يكون المجموع مستغنيا بالواجب، بل هو محتاج إلى الممكنات، فلا يكون الواجب علة للمجموع إلا مع اقتضائه لجميع الممكنات، ثم هو مع الممكنات إما المجموع وإما علة المجموع، ومثل هذا منتف في مجموع الممكنات، فإن الواحد منها لا يجوز أن يكون علة لسائرها، إذ ليس علة لنفسه ولا لعلته وعلة علته، وإذا لم يكن في الممكنات إلا ما هو [ ص: 233 ] معلول لم يكن فيها ما يوجب سائرها، فلم يكن فيها ما يصلح أن يكون علة للمجموع بوجه من الوجوه.

وإن قلت: إن معلول الواجب يجب استغناؤه عن الممكنات، سواء اقتضاه بوسط أو بغير وسط، وإنه لما كان الواجب مقتضيا للوسط كانت الحاجة في الحقيقة إلى الواجب والغنى به، إذ كان هو مبدع الممكنات التي هي لغيرها شروط أو وسائط أو علل أو ما قيل من الأمور.

فيقال لك: على هذا التقدير فمجموع الموجودات التي فيها الواجب بنفسه ليس مفتقرا إلى شيء من الممكنات، بل افتقاره إلى الواجب وحده، فبطل اعتراضك على هذا الدليل الثاني، وأي الدليلين صح حصل المقصود.

وتلخيص هذا الجواب: أن مجموع الموجودات من حيث هو مجموع، إن قال هو معلول الواجب وحده أو بوسط -بحيث لا يقال: هو مفتقر إلى غيره- بطل هذا الاعتراض، وهو كونه مفتقرا إلى الممكن.

وإن قال: هو معلول الواجب، لكون الممكن معلول الواجب، وهو معلول الممكن والواجب كان هذا مفسدا لاعتراضه على الدليل الأول، لكون مجموع الممكنات لا يكون معلولا لواحد منها بوجه من الوجوه. [ ص: 234 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية