الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ بيع الطعام قبل قبضه ]

وأما بيع الطعام قبل قبضه ، فإن العلماء مجمعون على منع ذلك إلا ما يحكى عن عثمان البتي . وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " .

واختلف من هذه المسألة في ثلاثة مواضع : أحدها : فيما يشترط فيه القبض من المبيعات . والثاني : في الاستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي لا يشترط . والثالث : في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيلا وجزافا ، ففيه ثلاثة فصول : الفصل الأول فيما يشترط فيه القبض من المبيعات

وأما بيع ما سوى الطعام قبل القبض فلا خلاف في مذهب مالك في إجازته وأما الطعام الربوي فلا خلاف في مذهبه أن القبض شرط في بيعه . وأما غير الربوي من الطعام فعنه في ذلك روايتان : إحداهما المنع وهي الأشهر ، وبها قال أحمد ، وأبو ثور ، إلا أنهما اشترطا مع الطعم الكيل ، والوزن . والرواية الأخرى الجواز .

وأما أبو حنيفة : فالقبض عنده شرط في كل مبيع ما عدا المبيعات التي لا تنتقل ولا تحول من الدور ، والعقار . وأما الشافعي فإن القبض عنده شرط في كل مبيع ، وبه قال الثوري ، وهو مروي عن جابر بن عبد الله ، وابن عباس .

[ ص: 512 ] وقال أبو عبيد ، وإسحاق : كل شيء لا يكال ، ولا يوزن فلا بأس ببيعه قبل قبضه ، فاشترط هؤلاء القبض في المكيل ، والموزون ، وبه قالابن حبيب ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وربيعة ، وزاد هؤلاء مع الكيل والوزن المعدود .

فيتحصل في اشتراط القبض سبعة أقوال : الأول : في الطعام الربوي فقط . والثاني : في الطعام بإطلاق . الثالث : في الطعام المكيل والموزون . الرابع : في كل شيء ينقل . الخامس : في كل شيء . السادس : في المكيل والموزون . السابع : في المكيل والموزون والمعدود .

أما عمدة مالك في منعه ما عدا المنصوص عليه : فدليل الخطاب في الحديث المتقدم .

وأما عمدة الشافعي في تعميم ذلك في كل بيع فعموم قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يحل بيع وسلف ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك " . وهذا من باب بيع ما لم يضمن ، وهذا مبني على مذهبه من أن القبض شرط في دخول المبيع في ضمان المشتري ، واحتج أيضا بحديث حكيم بن حزام قال : قلت : يا رسول الله ، إني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم ؟ فقال : يا ابن أخي ، إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه " .

قال أبو عمر : حديث حكيم بن حزام رواه يحيى بن أبي كثير ، عن يوسف بن ماهك ، أن عبد الله بن عصمة حدثه : أن حكيم بن حزام قال : ويوسف بن ماهك ، وعبد الله بن عصمة لا أعرف لهما جرحة ، إلا أنه لم يرو عنهما إلا رجل واحد فقط ، وذلك في الحقيقة ليس بجرحة ، وإن كرهه جماعة من المحدثين .

ومن طريق المعنى أن بيع ما لم يقبض يتطرق منه إلى الربا ، وإنما استثنى أبو حنيفة ما يحول ، وينقل عنده مما لا ينقل ، لأن ما ينقل القبض عنده فيه هي التخلية . وأما من اعتبر الكيل ، والوزن ، فلاتفاقهم أن المكيل والموزون لا يخرج من ضمان البائع إلى ضمان المشتري إلا بالكيل ، أو الوزن ، وقد نهي عن بيع ما لم يضمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية