الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: الأعراب أشد كفرا ونفاقا فيه وجهان: أحدهما: أن يكون الكفر والنفاق فيهم أكثر منه في غيرهم لقلة تلاوتهم القرآن وسماعهم السنن.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن الكفر والنفاق فيهم أشد وأغلظ منه في غيرهم لأنهم أجفى طباعا وأغلظ قلوبا. وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله ومعنى أجدر أي أقرب ، مأخوذ من الجدار الذي يكون بين مسكني المتجاورين. وفي المراد بحدود الله ما أنزل الله وجهان: أحدهما: فروض العبادات المشروعة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: الوعد والوعيد في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجهاد. قوله عز وجل: ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما فيه وجهان: أحدهما: ما يدفع من الصدقات. [ ص: 394 ] الثاني: ما ينفق في الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم مغرما ، والمغرم التزام ما لا يلزم ، ومنه قوله تعالى: إن عذابها كان غراما [الفرقان: 65] أي لازما ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        فما لك مسلوب العزاء كأنما ترى هجر ليلى مغرما أنت غارمه



                                                                                                                                                                                                                                        ويتربص بكم الدوائر جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها ، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين: أحدهما: في إعلان الكفر والعصيان. والثاني: في انتهاز الفرصة بالانتقام. عليهم دائرة السوء رد لما أضمروا وجزاء لما مكروا. قوله عز وجل: ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر قال مجاهد : هم بنو مقرن من مزينة. ويتخذ ما ينفق قربات عند الله يحتمل وجهين: أحدهما: أنها تقربة من طاعة الله ورضاه.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن ثوابها مذخور لهم عند الله تعالى فصارت قربات عند الله وصلوات الرسول فيها وجهان: أحدهما: أنه استغفاره لهم ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: دعاؤه لهم ، قاله قتادة . ألا إنها قربة لهم فيه وجهان: أحدهما: أن يكون راجعا إلى إيمانهم ونفقتهم أنها قربة لهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: إلى صلوات الرسول أنها قربة لهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية