الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين

                                                                                                                                                                                                                                        فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم طردناهم من رحمتنا، أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية. وجعلنا قلوبهم قاسية لا تنفعل عن الآيات والنذر. وقرأ حمزة والكسائي «قسية» وهي إما مبالغة قاسية أو بمعنى رديئة من قولهم درهم قسي إذا كان مغشوشا، وهو أيضا من القسوة فإن المغشوش فيه يبس وصلابة وقرئ «قسية» بإتباع القاف للسين. يحرفون الكلم عن مواضعه استئناف لبيان قسوة قلوبهم، فإنه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله سبحانه وتعالى والافتراء عليه، ويجوز أن يكون حالا من مفعول لعناهم لا من القلوب إذ لا ضمير له فيه. ونسوا حظا وتركوا نصيبا وافيا. مما ذكروا به من التوراة، أو من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أنهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما أنزل عليهم فلم ينالوه، وقيل معناه أنهم حرفوها فزلت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم، لما روي أن ابن مسعود قال: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا تزال تطلع على خائنة منهم خيانة منهم، أو فرقة خائنة أو خائن والتاء للمبالغة. والمعنى أن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم. إلا قليلا منهم لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم، وقيل استثناء من قوله: وجعلنا قلوبهم قاسية فاعف عنهم واصفح إن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية. وقيل: مطلق نسخ بآية السيف. إن الله يحب المحسنين تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية