الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وإن من أهل الكتاب الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الفريابي ، وعبد بن حميد ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس في قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : خروج عيسى ابن مريم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طرق، عن ابن عباس في قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : قبل موت عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في الآية قال : يعني أنه سيدرك أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى، سيؤمنون به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وإن من أهل [ ص: 107 ] الكتاب قال : اليهود خاصة إلا ليؤمنن به قبل موته قال : قبل موت اليهودي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس في قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : هي في قراءة أبي : (قبل موتهم)، قال : ليس يهودي أبدا حتى يؤمن بعيسى، قيل لابن عباس : أرأيت إن خر من فوق بيت؟ قال : يتكلم به في الهوي، فقيل : أرأيت إن ضرب عنق أحدهم؟ قال : يتلجلج بها لسانه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : لا [ ص: 108 ] يموت يهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ولو عجل عليه بالسلاح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : لو أن يهوديا ألقي من فوق قصر ما خلص إلى الأرض حتى يؤمن أن عيسى عبد الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن ابن عباس في الآية قال : لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى، قيل : وإن ضرب بالسيف؟ قال : يتكلم به، قيل : وإن هوى؟ قال : يتكلم به وهو يهوي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن أبي هاشم، وعروة ، قالا : في مصحف أبي بن كعب : (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موتهم) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن شهر بن حوشب في قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته عن محمد بن علي بن أبي طالب، هو ابن الحنفية، قال : ليس من أهل الكتاب أحد إلا أتته الملائكة يضربون وجهه ودبره، ثم يقال : يا عدو الله، إن عيسى روح الله وكلمته، كذبت على الله، وزعمت أنه الله، إن عيسى لم يمت، وإنه رفع إلى السماء، وهو نازل قبل أن تقوم الساعة، فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا آمن به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجاج : يا شهر، آية [ ص: 109 ] من كتاب الله ما قرأتها إلا اعترض في نفسي منها شيء قال الله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وإني أوتى بالأسارى فأضرب أعناقهم ولا أسمعهم يقولون شيئا؟ فقلت : رفعت إليك على غير وجهها، وإن النصراني إذا خرجت روحه ضربته الملائكة من قبله، ومن دبره، وقالوا : أي خبيث، إن المسيح الذي زعمت أنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، عبد الله، وروحه، وكلمته، فيؤمن حين لا ينفعه إيمانه، وإن اليهودي إذا خرجت نفسه ضربته الملائكة من قبله، ومن دبره، وقالوا : أي خبيث، إن المسيح الذي زعمت أنك قتلته، عبد الله، وروحه، فيؤمن به حين لا ينفعه الإيمان، فإذا كان عند نزول عيسى آمنت به أحياؤهم كما آمنت به موتاهم، فقال : من أين أخذتها؟ فقلت : من محمد بن علي، قال : لقد أخذتها من معدنها، قال شهر : وايم الله، ما حدثنيه إلا أم سلمة، ولكني أحببت أن أغيظه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : إذا نزل آمنت به الأديان كلها، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا أنه قد بلغ رسالة ربه وأقر على نفسه بالعبودية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن زيد في قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : إذا نزل عيسى فقتل الدجال لم يبق يهودي في الأرض إلا آمن به، فذلك حين لا ينفعهم الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 110 ] وأخرج ابن جرير ، عن أبي مالك : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته

                                                                                                                                                                                                                                      قال : ذلك عند نزول عيسى ابن مريم، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن الحسن : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : قبل موت عيسى، والله إنه الآن حي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن ، أن رجلا سأله عن قوله : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قال : قبل موت عيسى، إن الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها)، ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يوشك أن [ ص: 111 ] ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، يقتل الدجال، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين)، قال أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قبل موت عيسى ابن مريم، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وابن جرير ، وابن عساكر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الخنزير، ويمحي الصليب، ويجمع له الصلاة، ويعطي المال حتى لا يقبل، ويضع الخراج، وينزل الروحاء، فيحج منها، أو يعتمر، أو يجمعهما)، قال : وتلا أبو هريرة : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا قال أبو هريرة : يؤمن به قبل موته، موت عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وابن أبي شيبة ، ومسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ليهلن عيسى ابن مريم بفج الروحاء بالحج، أو بالعمرة، أو ليثنينهما [ ص: 112 ] جميعا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والبخاري ، ومسلم ، والبيهقي في (الأسماء والصفات)، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم، وإمامكم منكم؟) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، وابن جرير ، وابن حبان ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه خليفتي على أمتي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين [ ص: 113 ] سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى ابن مريم، فإن عجل بي موت، فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا إن عيسى ابن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول، ألا إنه خليفتي في أمتي من بعدي، ألا إنه يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها، ألا من أدركه منكم فليقرأ عليه السلام) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، وابن عساكر ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ينزل عيسى ابن مريم، فيمكث في الناس أربعين سنة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وابن عساكر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ينزل ابن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويرجع السلم، ويتخذ السيوف مناجل، وتذهب حمة [ ص: 114 ] كل ذات حمة، وتنزل السماء رزقها، وتخرج الأرض بركتها، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره، ويراعي الغنم الذئب ولا يضرها، ويراعي الأسد البقر ولا يضرها) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، والطبراني ، وابن عساكر ، عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الدجال خارج، وهو أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، ويقول : أنا ربكم، فمن قال : أنت ربي، فقد فتن، ومن قال : ربي الله حي لا يموت، فقد عصم من فتنته، ولا فتنة عليه ولا عذاب، فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم من المغرب، ولفظ الطبراني : من المشرق، مصدقا بمحمد، وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو يعلى ، وابن عساكر ، عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال : (ما يبكيك؟) قلت : [ ص: 115 ] يا رسول الله، ذكرت الدجال فبكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن يخرج الدجال وأنا حي كفيتكموه، وإن يخرج بعدي فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة، فينزل ناحيتها، ولها يومئذ سبعة أبواب، على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها، حتى يأتي الشام مدينة بفلسطين، باب لد، فينزل عيسى ابن مريم فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة، إماما عادلا وحكما مقسطا) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يخرج الدجال في خفقة من الدين، وإدبار من العلم، فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض، اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه، وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا، فيقول للناس : أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) مهجاة، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب، يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة، ومكة، حرمهما الله عليه، وقامت الملائكة بأبوابها، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران، أنا أعلم بهما منه، نهر يقول : الجنة، ونهر يقول : النار، فمن دخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن دخل الذي يسميه [ ص: 116 ] النار فهي الجنة، وتبعث معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسا ثم يحييه، لا يسلط على غيرها من الناس، فيما يرى الناس، فيقول للناس : أيها الناس، هل يفعل مثل هذا إلا الرب؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى فينادي من السحر فيقول : يا أيها الناس، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون : هذا رجل جني، فينطلقون فإذا هم بعيسى، فتقام الصلاة، فيقال له : تقدم يا روح الله، فيقول : ليتقدم إمامكم فليصل بكم، فإذا صلوا الصبح خرجوا إليه، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجرة تنادي : يا روح الله، هذا يهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحد إلا قتله) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج معمر في (جامعه)، عن الزهري، أخبرني عمرو بن أبي سفيان الثقفي، أخبرني رجل من الأنصار، عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال : (يأتي سباخ المدينة، وهو محرم عليه أن يدخلها، فتنتفض بأهلها نفضة أو نفضتين، وهي الزلزلة، فيخرج إليه منها كل منافق ومنافقة، ثم يأتي الدجال قبل الشام، حتى يأتي بعض جبال الشام فيحاصرهم، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل، فيحاصرهم نازلا بأصله، حتى إذا [ ص: 117 ] طال عليهم الحصار، قال رجل : حتى متى أنتم هكذا، وعدوكم نازل بأصل جبلكم؟ هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين، بين أن تستشهدوا أو يظهركم؟ فيتبايعون على القتال بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر أحدهم كفه، فينزل ابن مريم فيحسر عن أبصارهم، وبين أظهرهم رجل عليه لأمة، فيقولون : من أنت؟ فيقول : أنا عبد الله وروحه، وكلمته عيسى، اختاروا إحدى ثلاث : بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا جسيما، أو يخسف بهم الأرض، أو يرسل عليهم سلاحكم، ويكف سلاحهم، فيقولون : هذه يا رسول الله، أشفى لصدورنا، فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل الأكول الشروب لا تقل يده سيفه من الرعب، فينزلون إليهم فيسلطون عليهم، ويذوب الدجال حين يدركه عيسى فيقتله) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والطبراني ، والحاكم وصححه، عن عثمان بن أبي العاصي : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (يكون للمسلمين ثلاثة أمصار : مصر بملتقى البحرين، ومصر بالجزيرة، ومصر بالشام، فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيخرج الدجال في أعراض جيش، فيهزم من قبل المشرق، فأول [ ص: 118 ] مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهلها ثلاث فرق : فرقة تقيم، وتقول نشامه، ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان، وأكثر من معه اليهود، والنساء، ثم يأتي المصر الذي يليهم فيصير أهله ثلاث فرق : فرقة تقول : نشامه وننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ثم يأتي الشام فينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون بسرح لهم فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد، حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك إذ ناداهم مناد من السحر : أتاكم الغوث أيها الناس، ثلاثا، فيقول بعضهم لبعض : إن هذا لصوت رجل شبعان، فينزل عيسى عند صلاة الفجر، فيقول له أمير الناس : تقدم يا روح الله فصل بنا، فيقول : (إنكم معشر هذه الأمة أمراء، بعضكم على بعض، تقدم أنت فصل بنا، فيتقدم فيصلي بهم، فإذا انصرف أخذ عيسى حربته نحو الدجال، فإذا رآه ذاب كما يذوب الرصاص، فتقع حربته بين ثندوته فيقتله، ثم ينهزم [ ص: 119 ] أصحابه، فليس شيء يومئذ يجن منهم أحدا، حتى إن الحجر يقول : يا مؤمن، هذا كافر فاقتله، والشجر يقول : يا مؤمن، هذا كافر فاقتله) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، عن أبي الطفيل قال : كنت بالكوفة فقيل : قد خرج الدجال، فأتينا حذيفة بن أسيد فقلت : هذا الدجال قد خرج، فقال : اجلس، فجلست فنودي : إنها كذبة صباغ، فقال حذيفة : إن الدجال لو خرج زمانكم لرمته الصبيان بالخزف، ولكنه يخرج في نقص من الناس، وخفة من الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، وتطوى له الأرض طي فروة الكبش، حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها، ويمنع داخلها، ثم جبل إيلياء، فيحاصر عصابة من المسلمين، فيقول لهم الذي عليهم : ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم؟ فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا، فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، ويهزم أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، والحاكم وصححه، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يخرج الدجال فيلبث في أمتي ما شاء الله، يلبث أربعين، ولا أدري، ليلة، أو شهرا، أو سنة، قال : ثم يبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن [ ص: 120 ] مسعود الثقفي، فيطلبه حتى يهلكه، ثم يبقى الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يبعث الله ريحا باردة تجيء من قبل الشام، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضت روحه، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه، سمعت هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم : كبد جبل، ثم يبقى شرار الناس من لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، في خفة الطير، وأحلام السباع، فيجيئهم الشيطان، فيقول : ألا تستجيبون؟ فيقولون : ما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، فيعبدونها وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود، وابن ماجه ، عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال، وحذرناه، فكان من قوله أن قال : (إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر من الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي فكل حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يمينا ويعيث شمالا، يا عباد الله، فاثبتوا، وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي، إنه يبدأ فيقول : أنا نبي، ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول : أنا ربكم، ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه [ ص: 121 ] أعور، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه : كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتب، وإن من فتنته أن معه جنة ونارا، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلي بناره فليستعن بالله، وليقرأ فواتح (الكهف)، فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم، وإن من فتنته أن يقول لأعرابي : أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول له : نعم، فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان : يا بني اتبعه، فإنه ربك، وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة فيقتلها، ينشرها بالمنشار حتى يلقى شقتين، ثم يقول : انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربا غيري، فيبعثه الله، فيقول له الخبيث : من ربك؟ فيقول : ربي الله، وأنت عدو الله الدجال، والله ما كنت أشد بصيرة بك مني اليوم، وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا يبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت، وأعظمه، وأمده خواصر، وأدره ضروعا، وأنه لا يبقى من الأرض شيء إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيهما من نقب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة حتى ينزل عند الظريب الأحمر عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي [ ص: 122 ] الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم (الخلاص)، فقالت أم شريك بنت أبي العكر : يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال : (هم قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له : تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف، قال عيسى : أقيموا الباب، فيفتح، ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، ويقول عيسى : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لد الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله الشيء، لا حجر، ولا شجر، ولا دابة، ولا حائط، إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال : يا عبد الله المسلم، هذا يهودي فتعال فاقتله)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي)، فقيل له : يا رسول الله، كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال : تقدرون فيها الصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال، ثم صلوا)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليكونن عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا [ ص: 123 ] وإماما مقسطا، يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء، والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في في الحية فلا تضره، وينفر الوليد الأسد فلا يضره، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها كعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب يشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات)، قيل : يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟ قال : (لا يركب لحرب أبدا)، قيل له : فما يغلي الثور؟ قال : (لحرث الأرض كلها، وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت، إلا ما شاء الله)، قيل : فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال : (التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 124 ] وأخرج أحمد، ومسلم ، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) قال : (فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صل بنا، فيقول : لا، إن بعضكم على بعض أمير، تكرمة الله هذه الأمة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، عن أوس بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء في دمشق) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) عن عبد الرحمن بن سمرة قال : بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة، فلما دخلت عليه قلت : يا رسول الله، فقال : (على رسلك يا عبد الرحمن، أخذ اللواء زيد بن حارثة، فقاتل حتى قتل، رحم الله زيدا، ثم أخذ اللواء جعفر فقاتل فقتل، رحم الله جعفرا، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فقتل، رحم الله عبد الله، ثم أخذ اللواء خالد، ففتح الله لخالد، فخالد سيف من سيوف الله)، فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم حوله، فقال : (ما يبكيكم؟) قالوا : وما لنا لا نبكي وقد قتل خيارنا وأشرافنا، وأهل الفضل منا، فقال : (لا تبكوا، فإنما مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فاجتث رواكيها، وهيأ مساكنها، وحلق سعفها، فأطعمت عاما فوجا، ثم عاما فوجا، ثم عاما فوجا، فلعل آخرها طعما يكون أجودها قنوانا، وأطولها شمراخا، والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي [ ص: 125 ] خلفا من حواريه) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، والحكيم الترمذي ، والحاكم وصححه، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبيه قال : لما اشتد جزع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من قتل يوم مؤتة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليدركن الدجال من هذه الأمة قوما مثلكم، أو خيرا منكم ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها، وعيسى ابن مريم آخرها)، قال الذهبي : مرسل، وهو خبر منكر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سيدرك رجال من أمتي عيسى ابن مريم، ويشهدون قتال الدجال) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه، وابن عساكر ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليهبطن ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا، وليسلكن فجا حاجا، أو معتمرا، وليأتين قبري حتى يسلم علي، ولأردن عليه)، يقول أبو هريرة : أي بني أخي، إن رأيتموه فقولوا : أبو هريرة يقرئك السلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من أدرك منكم [ ص: 126 ] عيسى ابن مريم فليقرئه مني السلام) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في (الزهد)، عن أبي هريرة قال : يلبث عيسى ابن مريم في الأرض أربعين سنة، لو يقول للبطحاء : سيلي عسلا لسالت .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وصححه، عن مجمع بن جارية : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ليقتلن ابن مريم الدجال بباب لد) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (عصابتان من أمتي أحرزهم الله من النار : عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، وابن عساكر ، عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جده قال : مكتوب في التوراة صفة محمد، وعيسى ابن مريم يدفن معه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري في (تاريخه)، والطبراني ، عن عبد الله بن سلام قال : يدفن عيسى ابن مريم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فيكون قبره رابعا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية