الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 110 ] باب اليمين في الدعاوى

قوله ( وهي مشروعة في حق المنكر للردع والزجر في كل حق لآدمي ) . هذا على إطلاقه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله للخبر . اختارها المصنف ، والشارح . وجزم به أبو محمد الجوزي في الطريق الأقرب . وقدمه ابن رزين . قال في العمدة : وتشرع اليمين في كل حق لآدمي . ولا تشرع في حقوق الله تعالى ، من الحدود ، والعبادات . قال ابن منجا في شرحه : هذا احتمال في المذهب . وظاهر المذهب : لا تشرع في كل حق آدمي . انتهى . والذي قاله المصنف تخريج في الهداية . وكلام المصنف لا يدل على أنه قدم ذلك . وإنما قصده : أنها تشرع في حق الآدمي في الجملة بدليل قوله : ( قال أبو بكر بلا واو تشرع في كل حق لآدمي إلا في النكاح والطلاق ) . جزم به في التنبيه . وقال أبو الخطاب : إلا في تسعة أشياء : النكاح ، والرجعة ، والطلاق ، والرق . [ ص: 111 ] يعني : أصل الرق . ( والولاء ، والاستيلاد ، والنسب ، والقذف ، والقصاص ) . وقدمه في المذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة . وصححه في إدراك الغاية . وقال في المستوعب : يستحلف في كل حق لآدمي ، إلا فيما لا يجوز بذله . وهو أحد عشر . فذكر التسعة ، وزاد : العتق وبقاء الرجعة . وقدم في المحرر قول أبي الخطاب ، وزاد على التسعة : الإيلاء . وجزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي البغدادي . وصححه في تجريد العناية . وقال ابن عبدوس في تذكرته : ولا تشرع في متعذر بذله . كطلاق ، وإيلاء ، وبقاء مدته ، ونكاح ، ورجعة وبقائها ، ونسب ، واستيلاد ، وقذف ، وأصل رق ، وولاء ، وقود . إلا في قسامة . ولا في توكيل . والإيصاء إليه ، وعتق مع اعتبار شاهدين فيها . بل في ما يكفيه شاهد وامرأتان . سوى نكاح ورجعة . وقدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير . قال القاضي في الجامع الصغير : ما لا يجوز بذله . وهو ما ثبت بشاهدين . لا يستحلف فيه . انتهى . وعنه : يستحلف في الطلاق ، والإيلاء ، والقود ، والقذف ، دون الستة الباقية . قال القاضي : في الطلاق ، والقصاص ، والقذف روايتان . وسائر الستة لا يستحلف فيها . رواية واحدة . وفسر القاضي الاستيلاد : بأن يدعي ، استيلاد أمة ، فتنكره . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : بل هي المدعية . [ ص: 112 ] وقال الخرقي : لا يحلف في القصاص ، ولا المرأة إذا أنكرت النكاح . وتحلف إذا ادعت انقضاء عدتها . وقيل : يستحلف في غير حد ، ونكاح ، وطلاق . وعنه يستحلف فيما يقضى فيه بالنكول فقط . فوائد

الأولى : الذي يقضى فيه بالنكول : هو المال ، أو ما مقصوده المال . هذا المذهب . قاله في الفروع ، وغيره . وصححه الناظم . وعنه : هو المال ، أو ما مقصوده المال ، وغير ذلك . إلا قود النفس . قدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والنظم ، وبعده . وعنه : إلا قود النفس وطرفها . صححه في الرعاية . وقيل : في كفالة : وجهان .

الثانية : كل جناية لم يثبت قودها بالنكول ، فهل يلزم الناكل ديتها ؟ . على روايتين . وأطلقهما في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع ، والنظم .

إحداهما : لا يلزمه ديتها . اختاره ابن عبدوس في تذكرته . قال في تجريد العناية : يلزمه ديتها في رواية . والرواية الثانية : يلزمه ديتها . [ ص: 113 ] وكل ناكل لا يقضى عليه بالنكول كاللعان ونحوه : فهل يخلى سبيله ، أو يحبس حتى يقر ، أو يحلف ؟ على وجهين . وأطلقهما في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع .

أحدهما : يخلى سبيله . اختاره ابن عبدوس في تذكرته ، والناظم . وصححه في تصحيح المحرر .

والوجه الثاني : يحبس حتى يقر أو يحلف . قدمه في تجريد العناية . قلت : هذا المذهب في اللعان . وقد تقدم في بابه محررا . وتقدم نظير ذلك في " باب طريق الحكم وصفته " . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : إذا قلنا : يحبس ، فينبغي جواز ضربه ، كما يضرب الممتنع من اختيار إحدى نسائه إذا أسلم ، والممتنع من قضاء الدين . كما يضرب المقر بالمجهول حتى يفسر .

الثالثة : قال في الترغيب وغيره : لا يحلف شاهد ، ولا حاكم ولا وصي : على نفي دين على الموصي ، ولا منكر وكالة وكيل . وقال في الرعاية : لا يحلف مدعى عليه بقول مدع ليحلف " أنه ما أحلفني أني ما أحلفه " . وقال في الترغيب : ولا مدع طلب يمين خصمه . فقال " ليحلف أنه ما أحلفني " في الأصح . وإن ادعى وصي وصية للفقراء ، فأنكر الورثة : حبسوا . على الصحيح من المذهب . [ ص: 114 ] وقيل : يحكم بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية