الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          589 - مسألة : والصبر واجب ، والبكاء مباح ، ما لم يكن نوح ، فإن النوح حرام ، والصياح ، وخمش الوجوه وضربها ، وضرب الصدر ، ونتف الشعر وحلقه للميت - : كل ذلك حرام ، وكذلك الكلام المكروه الذي هو تسخط لأقدار الله تعالى ، وشق الثياب - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال { مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر ، [ ص: 372 ] فقال : اتقي الله واصبري ؟ } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى البخاري : نا محمد بن بشار نا غندر عن شعبة عن ثابت البناني قال : سمعت أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إنما الصبر عند الصدمة الأولى } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى البخاري : ثنا الحسن بن عبد العزيز نا يحيى بن حسان حدثني قريش هو ابن حيان - عن ثابت البناني عن أنس قال { دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبراهيم - هو ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : يا ابن عوف ، إنها رحمة ، العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ؟ } .

                                                                                                                                                                                          فهذا إباحة الحزن الذي لا يقدر أحد على دفعه ، و { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وفيه إباحة البكاء ، وتحريم الكلام بما لا يرضي الله تعالى

                                                                                                                                                                                          وبه إلى البخاري : نا محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية } . [ ص: 373 ]

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن منصور أنا حبان بن هلال نا أبان هو ابن يزيد العطار - نا يحيى هو ابن أبي كثير - أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، النائحة إذا ماتت ولم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى مسلم : نا عبد الله بن حميد ، وإسحاق بن منصور قالا : أرنا جعفر بن عون أنا أبو عميس قال : سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري قالا ( جميعا ) : أغمي على أبي موسى فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة ، فأفاق قال : ألم تعلمي - وكان يحدثها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق البخاري : نا أصبغ نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن الحارث الأنصاري عن عبد الله بن عمر قال : { اشتكى سعد بن عبادة فعاده النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن مسعود ، فلما دخل عليه وجده في غاشيته فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا ، فقال : ألا [ ص: 374 ] تسمعون ؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم ، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد هذا الخبر بتمامه يبين معنى ما وهل فيه كثير من الناس من قوله عليه السلام : { إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه } .

                                                                                                                                                                                          ولاح بهذا أن هذا البكاء الذي يعذب به الميت ليس هو الذي لا يعذب به من دمع العين ، وحزن القلب .

                                                                                                                                                                                          فصح أنه البكاء باللسان ، إذ يعذبونه برياسته التي جار فيها فعذب عليها ، وشجاعته التي يعذب عليها ، إذ صرفها في غير طاعة الله تعالى ، وبجوده الذي أخذ ما جاد به من غير حله ، ووضعه في غير حقه فأهله يبكونه بهذه المفاخر ، وهو يعذب بها بعينها ، وهو ظاهر الحديث لمن يتكلف في ظاهر الخبر ما ليس فيه - وبالله تعالى التوفيق - : وقد روينا عن ابن عباس : أنه أنكر على من أنكر البكاء على الميت ، وقال : الله أضحك وأبكى ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية