الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 444 - 586 ] كتاب اختلاف الحديث للإمام محمد بن إدريس الشافعي .

[ ص: 587 ] بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن الحسن الجوهري قراءة عليه وهو يسمع وأنا أسمع فأقر به قال : أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيوية قراءة عليه ، وأنا أسمع قال حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن سيف السجستاني حدثنا الربيع بن سليمان قال قال محمد بن إدريس المطلبي الشافعي رضي الله عنه .

الحمد لله بما هو أهله وكما ينبغي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله .

( أما بعد ) فإن الله - جل ثناؤه - وضع رسوله موضع الإبانة لما افترض على خلقه في كتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن ما افترض على لسانه نصا في كتاب الله فأبان في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ففرض على العباد طاعته وأمرهم بأخذ ما آتاهم والانتهاء عما نهاهم عنه وكان فرضه على كل من عاين رسوله ، ومن بعده إلى يوم القيامة واحدا في أن على كل طاعته ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمر رسول الله إلا بالخبر عنه وأوجب الله - جل ثناؤه - على عباده حدودا وبينهم حقوقا فدل على أن يؤخذ منهم ولهم بشهادات والشهادات أخبار ودل في كتابه على لسان نبيه أن الشهود في الزنا أربعة وأمر في الدين بشاهدين أو شاهد وامرأتين .

وفي الوصايا بشاهدين وكانت حقوق سواها بين الناس لم يذكر في القرآن عدد الشهود فيها منها : القتل وغيره أخذ عدد الشهود فيها من سنة أو إجماع وأخذ أن يقتل في غير الزنا ويقطع وتؤخذ الحقوق من جميع الجهات بشاهدين بقول الأكثر من أهل العلم ، ولم يجعلوه قياسا على الزنا ، وأخذ أن تؤخذ الأموال بشاهد وامرأتين لذكر الله إياهما في الدين وهو مال واخترنا أن يؤخذ المال بيمين وشاهد بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترنا أن يجب الحق في القسامة بدلائل قد وصفناها وإن لم يكن مع الدلائل شاهد بالخبر عن رسول الله فكان ما فرض الله من الخبر عن رسول الله مؤدي خبرا كما تؤدي الشهادات خبرا ، وشرط في الشهود ذوي عدل ومن نرضى وكان الواجب أن لا يقبل خبر أحد على شيء يكون له حكم حتى يكون عدلا في نفسه ورضا في خبره ، وكان بينا إذ افترض الله علينا قبول أهل العدل أنه إنما كلفنا العدل عندنا ما يظهر لنا لأنا لا نعلم مغيب غيرنا فلما تعبدنا الله بقبول الشهود على العدالة عندنا ودلت السنة على إنفاذ الحكم بشهاداتهم ، وشهاداتهم أخبار دل على أن قبول قولهم وعددهم تعبد لأنه لا يكون منهم عدد إلا ، وفي الناس أكثر منه وكان في قبولهم على اختلافهم مقبولا من وجوه مما وصفت من كتاب أو سنة أو قول عوام أهل العلم أن ما ثبت وشهد به عندنا من قطعنا الحكم بشهادته [ ص: 588 ] إحاطة عندنا على المغيب ولكنه صدق على الظاهر بصدق المخبر عندنا ، وإن أمكن فيه الغلط ففيه ما دل على الفرض علينا من قبول الخبر عن رسول الله ولا يؤخذ عدد من يقبل خبره عنه صلى الله عليه وسلم إلا بأحد الدلائل التي قبلنا بها عددا من الشهود فرأينا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول خبر الواحد عنه فلزمنا - والله أعلم - أن نقبل خبره إذا كان من أهل الصدق كما لزمنا قبول عدد من وصفت عدده في الشهادة بل قبول خبر الواحد عنه أقوى سببا بالدلالة عنه ثم ما لم أعلم فيه خلافا من أحد من ماضي أهل العلم بعد رسول الله وتابعيهم إلى اليوم خبرا نصا منهم ودلالة معقولة عنهم من قبول عدد الشهود في بعض ما قبلنا فيه .

وقد كتبت في كتاب " جماع العلم " الدليل على ما وصفت مما اكتفيت في رد كثير منه في كتابي هذا وقد رددت منه جملا تدل من لم يحفظ كتاب جماع العلم على ما وراءها إن شاء الله فإن قال قائل : أفيكون الإخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا أو أكثر ؟ قيل : الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبران فخبر عامة عن عامة عن النبي صلى الله عليه وسلم يحمل ما فرض على العباد أن يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم ويؤتوا به من أنفسهم وأموالهم وهذا ما لا يسع جهله وما كان على أهل العلم والعوام أن يستووا فيه لأن كلا كلفه كعدد الصلاة وصوم رمضان وتحريم الفواحش وأن لله عليهم حقا في أموالهم وخبر خاصة في خاص الأحكام لم يكلفه العامة لم يأت أكثره كلما جاء الأول وكلف علم ذلك من فيه الكفاية للخاصة به دون العامة وهذا مثل ما يكون منهم في الصلاة سهو يجب به سجود السهو ما يكون منهم فيما لا يجب به سجود سهو ، وما يفسد الحج وما لا يفسده وما تجب به البدنة ولا تجب مما يفعل مما ليس فيه نص كتاب ، وهو الذي على العلماء فيه عندنا ، والله أعلم .

قبول خبر الصادق على صدقه ولا يسعهم رده كما لا يسعهم رد العدد من الشهود الذين قبلوا شهادتهم وهو حتى صدق عندهم على الظاهر كما يقال فيما شهد به الشهود فمن أدخل في شيء من قبول خبر الواحد شيئا دخل عليه في قبول عدد الشهود الذين ليسوا بنص في كتاب ولا سنة مثل الشهود على القتل وغيره إن شاء الله ، فإن قال قائل : فأين الدلالة على قبول خبر الواحد عن رسول الله ؟ قيل له إن شاء الله كان الناس مستقبلي بيت المقدس ثم حولهم الله إلى البيت الحرام فأتى أهل قباء آت وهم في الصلاة فأخبرهم أن الله أنزل على رسوله كتابا وأن القبلة حولت إلى البيت الحرام فاستداروا إلى الكعبة وهم في الصلاة وأن أبا طلحة وجماعة كانوا يشربون فضيخ بسر ولم يحرم يومئذ من الأشربة شيء فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرمت فأمروا أناسا فكسروا جرار شرابهم ذلك ولا شك أنهم لا يحدثون في مثل هذا إلا ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله ويشبه أن لو كان قبول خبر من أخبرهم وهو صادق عندهم مما لا يجوز لهم قبول أن يقول لهم رسول الله قد كنتم على قبلة ، ولم يكن لكم أن تحولوا عنها إذ كنت حاضرا معكم حتى أعلمكم أو يعلمكم جماعة أو عدد يسميهم لهم ويخبرهم أن الحجة تقوم عليهم بمثلها لا بأقل منها إن كانت لا تثبت عنده بواحد والفساد لا يجوز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عند عالم وهراقة حلال فساد فلو لم تكن الحجة أيضا تقوم عليهم بخبر من أخبرهم بتحريم لأشبه أن يقول قد كان لكم حلال ولم يكن لكم إفساده حتى أعلمكم أن الله - جل وعز - حرمه أو يأتيكم عدد يحده لهم يخبر عني بتحريمه .

{ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تعلم امرأة أن تعلم زوجها إن قبلها وهو صائم لا يحرم عليه } ولو لم ير الحجة تقوم عليه بخبرها إذا صدقها لم يأمرها إن شاء الله به { وأمر رسول الله أنيسا الأسلمي أن يغدو على امرأة رجل فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها } وفي ذلك إفاتة [ ص: 589 ] نفسها باعترافها عند أنيس وهو واحد { وأمر عمرو بن أمية أن يقتل أبا سفيان وقد سن عليه إن علمه أسلم لم يحل له قتله } وقد يحدث الإسلام قبل أن يأتيه عمرو بن أمية { وأمر أنيسا أو عبد الله بن أنيس شك الربيع أن يقتل خالد بن سفيان الهذلي فقتله } ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أسلم أن لا يقتله وكل هؤلاء من معاني ولاته وهم واحد واحد فتصور الحكم بأخبارهم .

وبعث رسول الله بعماله واحدا واحدا ورسله واحدا واحدا وإنما بعث عماله ليخبروا الناس بما أخبرهم به رسول الله من شرائع دينهم ويأخذوا منهم ما أوجب الله عليهم ويعطوهم ما لهم ويقيموا عليهم الحدود وينفذوا فيهم الأحكام ولم يبعث منهم واحدا إلا مشهورا بالصدق عند من بعثه إليه ولو لم تقم الحجة عليهم بهم إذ كانوا في كل ناحية وجههم إليها أهل صدق عندهم ما بعثهم إن شاء الله وبعث أبا بكر واليا على الحج فكان في معنى عماله ثم بعث عليا بعده بأول سورة براءة فقرأها في مجمع الناس في الموسم وأبو بكر واحد وعلي واحد وكلاهما بعثه بغير الذي بعث به صاحبه ولو لم تكن الحجة تقوم عليهم ببعثته كل واحد منهما إذا كانا مشهورين عند عوامهم بالصدق وكان من جهلهما من عوامهم يجد من يثق به من أصحابه يعرف صدقهما ما بعث منهما واحدا فقد بعث عليا يعطيهم نقض مدد وإعطاء مدد ونبذ إلى قوم ، ونهى عن أمور وأمر بأخرى وما كان لأحد من المسلمين بلغه علي أن لهم مدة أربعة أشهر أن يعرض لهم في مدتهم ولا مأمور بشيء ولا منهى عنه برسالة علي أن يقول له : أنت واحد ولا تقوم علي الحجة بأن رسول الله بعثك إلي بنقض شيء جعله لي ولا بإحداث شيء لم يكن لي ولا لغيري ولا بنهي عن أمر لم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ولا بإحداث أمر لم أعلم رسول الله أحدثه وما يجوز هذا لأحد في شيء قطعه عليه علي برسالة النبي ، ولا أعطاه إياه ولا أمره به ولا نهاه عنه بأن يقول لم أسمعه من رسول الله أو ينقله إلي عدد أو لا أقبل فيه خبرك وأنت واحد ولا كان لأحد وجه رسول الله عاملا يعرفه أو لا يعرفه له من يصدقه صدقه أن يقول له العامل : عليك أن تعطي كذا وكذا أو نفعل بك كذا فيقول لا أقبل هذا منك لأنك واحد حتى ألقى رسول الله فيخبرني أن علي ما قلت إنه علي فأفعله عن أمر رسول الله لا عن خبرك وقد يمكن أن يغلط أو يجهل بينة عامة بشرط في عددهم وإجماعهم على الخبر عن رسول الله وشهادتهم معا أو متفرقين ثم لا يذكر أحد من خبر العامة عددا أبدا إلا وفي العامة عدد أكثر منه ولا من اجتماعهم حين يخبرون وتفرقهم تثبيتا إلا أمكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض زمانه حين كثر أهل الإسلام فلا يكون لتثبيت الأخبار غاية أبدا ينتهي إليها ثم لا يكون هذا لأحد من الناس أجوز منه لمن قال هذا ورسول الله بين ظهرانيه لأنه قد يدرك لقاء رسول الله ويدرك ذلك له أبوه وولده وإخوته وقرابته ومن يصدقه في نفسه ويفضل صدقه له بالنظر له فإن الكاذب قد يصدق نظرا له وإذا لم يجز هذا لأحد يدرك لقاء رسول الله ويدرك خبر من يصدق من أهله والعامة عنه كان لمن جاء بعد رسول الله ممن لا يلقاه في الدنيا أولى أن لا يجوز ومن زعم أن الحجة لا تثبت بخبر المخبر الصادق عند من أخبره فما يقول في { معاذ إذ بعثه رسول الله إلى أهل اليمن واليا ومحاربا من خالفه ودعا قوما يلقوا النبي عليه السلام إلى أخذ الصدقة منهم وغيرها فامتنعوا فقاتلهم وقاتلهم معه من أسلم منهم بأمر رسول الله } .

ولم يكن عند من قاتل معه أو أكثرهم إلا صدق معاذ عندهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بقتالهم إذ كانوا مطيعين لله تعالى بنصر معاذ وتصديقه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الحجة قائمة على من رد على معاذ ما جاء به معاذ حتى قتله معاذ وهو محجوج ومعاذ لله مطيع وما يقول فيمن كان رسول الله يبعثه في جيوشه وسراياه إلى من بعث فيدعوهم إلى الإسلام أو إعطاء الجزية فإن أبوا قاتلهم أكان أمير الجيش [ ص: 590 ] والسرية والجيش والسرية مطيعين لله فيمن قاتلوا ومن امتنع ممن دعوه محجوجا ، وقد كانت سراياه تكون عشرة نفر أو أقل أو أكثر أم لا ؟ فإن زعم أن من جاءه معاذ وأمراء سراياه محجوجا بخبرهم فقد زعم أن الحجة تقوم بخبر الواحد وإن زعم أن لم تقم عليهم حجة فقد أعظم القول .

وإن قال لم يكن هذا أنكر خبر العامة عمن وصفت وصار إلى طرح خبر الخاصة والعامة وما يقول في امرئ ببادية من الله عليه بالإسلام ثم تنحى إلى باديته فجاء أخوه وأبوه وهما صادقان عنده فأخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم شيئا أو أحله فحرمه أو أحله أيكون مطيعا لله بقبول خبرهما ؟

فإن قال نعم فقد ثبت خبر الواحد .

وإن قال : لا خرج مما لم أعلم فيه مخالفا فإني لم أحفظ عن أحد لقيته ولم أعلمه حكي لي عمن لم ألق من أهل العلم أن لا يثبت إلا ما وصفت من أمر أبي بكر وعلي وغيرهما من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على الانفراد ولا يجوز أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما تقوم به الحجة لمن يبعث إليه وعلى من بعث إليه النبي ولم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن لم يكن لأحد وصل إليه عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسله ممن سمينا أو لم نسم من عماله ورسله أن يمنعه شيئا أعلمه أنه يجب عليه ولا أن يرد حكما حكم به عليه ولا أن يعصيه فيما أمره به مما لم يعلم لرسول الله فيه سنة تخالفه لأن رسول الله لا يبعث إلا بما تقوم به الحجة فكل من بعث رسول الله واحد ثم لم أعلم الناس منذ قبض الله رسوله اختلفوا أن خليفتهم ووالي المصر لهم وقاضي المصر واحد وليس من هؤلاء واحد عدل يقضي فيقول شهد عندي فلان ، وفلان وهما عدلان على فلان أنه قتل فلانا أو أنه ارتد عن الإسلام أو أنه قذف فلانا أو أنه أتى فاحشة مما يجوز فيه شاهدان إلا جاز أن يقام عليه ما وصفه هؤلاء ولا حاكم يعرف بعدل يكتب بأنه قضى لفلان على فلان بكذا من المال وبالدار التي في موضع كذا ولا لأحد بأنه ابن فلان ووارثه ولا شيء من حقوق الناس إلا أنفذه الحاكم المكتوب إليه وكل حاكم جاء بعده ولا يكتب به إلى حاكم ببلد من بلدان أهل الإسلام لأحد ولا على أحد إلا أنفذه له وليس فيه عند أحد أنفذه له علم إلا بقول الحاكم الذي قضى به ولا عند الحاكم المكتوب إليه أن أحدا شهد عند القاضي الذي ذكر أنه شهد عنده إلا بخبر ذلك القاضي والقاضي واحد فقد أجازوا خبره في جميع أحكام الناس .

فكذلك الخليفة والوالي العدل وفيما وصفت من أنهم لم يختلفوا في هذا دليل على أن الحجة في الحكم الذي لم يكلفه العباد كلهم تقوم بخبر الواحد مع أني لم أعلم أحدا حكي عنه من أصحاب رسول الله والتابعين إلا ما يدل على قبول خبر الواحد وكان عمر بن الخطاب في لزومه رسول الله حاضرا ومسافرا وصحبته له ومكانه من الإسلام وأنه لم يزايل المهاجرين بمكة والمهاجرين والأنصار بالمدينة ولم يزايله عامة منهم في سفر له وأنه مقدم عندهم في العلم والرأي وكثرة الاستشارة لهم وأنهم يبدءونه بما علموا فيقبله من كل من جاء به وأنه يعلم أن قوله حكم ينفذ على الناس في الدماء والأموال والفروج يحكم بين أظهرهم أن في الإبهام خمس عشر من الإبل وفي المسبحة والوسطى عشرا عشرا وفي التي تلي الخنصر تسعا وفي الخنصر ستا فمضى على ذلك كثير ممن حكى عنه في زمانه والناس عليه حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم كتبه رسول الله لعمرو بن حزم فيه { وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل } فصار الناس إليه وتركوا ما قضى به عمر مما وصفت وسووا بين الخنصر التي قضى فيها عمر بست والإبهام التي قضى فيها بخمس عشرة وكذلك يجب عليهم ولو علمه عمر كما علموه لقبله وترك ما حكم به إن شاء الله كما فعل في غيره مما علم فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ما كان هو يقول فترك قوله بخبر صادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يجب عليه .

( قال الشافعي ) ولا أحسبه قال بما قال من ذلك وقبل ذلك من قبله من المقضى له والمقضي عليه وغيرهم إلا أنه وإياهم قد علموا أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في اليد بخمسين من الإبل } وكانت اليد خمسة أطراف فاجتهد فيها على قدر منافعها وجمالها ففضل بعضها على بعض ولو لم يكن عن [ ص: 591 ] رسول الله أن في كل أصبع عشرا صرنا إلى ما قال عمر أو ما أشبهه وعلمنا أن الخنصر لا تشبه الإبهام في الجمال ولا المنفعة ، وفي هذا دليل على ما قلت من أن الخبر عن رسول الله يستغني بنفسه ولا يحتاج إلى غيره ولا يزيده غيره إن وافقه قوة ولا يوهنه إن خالفه غيره ، وأن بالناس كلهم الحاجة إليه والخبر عنه فإنه متبوع لا تابع وأن حكم بعض أصحاب رسول الله إن كان يخالفه فعلى الناس أن يصيروا إلى الخبر عن رسول الله وأن يتركوا ما يخالفه ودليل على أن يصيروا إلى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتركوا ما يخالفه ودليل على أنه يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الشيء يعلمه غيره وكان عمر بن الخطاب يقضي أن الدية للعاقلة ، ولا يورث المرأة من دية زوجها حتى أخبره { الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها } فرجع إليه عمر قال { وسأل عمر بن الخطاب من عنده علم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين فأخبره حمل بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة } فقال عمر بن الخطاب إنا كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا أو قال لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا وفي كل هذا دليل على أنه يقبل خبر الواحد إذا كان صادقا عند من أخبره ، ولو جاز لأحد رد هذا بحال جاز لعمر بن الخطاب أن يقول للضحاك أنت رجل من أهل نجد ولحمل بن مالك أنت رجل من أهل تهامة لم تريا رسول الله ولم تصحباه إلا قليلا ولم أزل معه ومن معي من المهاجرين والأنصار فكيف عزب هذا عن جماعتنا ، وعلمته أنت ، وأنت واحد يمكن فيك أن تغلط وتنسى ؟ بل رأى الحق اتباعه والرجوع عن رأيه في ترك توريث المرأة من دية زوجها ، وقضى في الجنين بما أعلم من حضر أنه لو لم يسمع عن النبي فيه شيئا قضى فيه بغيره كأنه يرى إن كان الجنين حيا فيه مائة من الإبل وإن كان ميتا فلا شيء فيه ولكن الله تعبده الخلق بما شاء على لسان نبيه فلم يكن له ولا لأحد إدخال لم ؟ ولا كيف ؟ ولا شيئا من الرأي على الخبر عن رسول الله ولا رده على من يعرفه بالصدق في نفسه وإن كان واحدا وقبل عمر بن الخطاب خبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس ولم يقل لو كانوا أهل كتاب كان لنا أن نأكل ذبائحهم وننكح نساءهم وإن لم يكونوا أهل كتاب لم يكن لنا أن نأخذ الجزية منهم وقبل خبر عبد الرحمن بن عوف في الطاعون ورجع بالناس عن خبره وذلك أنه يعرف صدق عبد الرحمن ولا يجوز له عنده ولا عندنا خلاف خبر الصادق عن رسول الله فإن قال قائل ، فقد طلب عمر بن الخطاب من مخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا آخر غيره معه عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له إن قبول عمر لخبر واحد على الانفراد يدل على أنه لا يجوز عليه أن يطلب مع مخبر مخبرا غيره إلا استظهارا لا أن الحجة تقوم عنده بواحد مرة ولا تقوم أخرى ، وقد يستظهر الحاكم فيسأل الرجل قد شهد له عنده الشاهدان العدلان زيادة شهود فإن يفعل قبل الشاهدين وإن فعل كان أحب إليه أو أن يكون عمر جهل المخبر وهو إن شاء الله لا يقبل خبر من جهله ، وكذلك نحن لا نقبل خبر من جهلناه وكذلك لا نقبل خبر من لم نعرفه بالصدق وعمل الخير { وأخبرت الفريعة بنت مالك عثمان بن عفان أن النبي عليه السلام أمرها أن تمكث في بيتها وهي متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله } فاتبعه وقضى به .

{ وكان ابن عمر يخابر الأرض بالثلث والربع لا يرى بذلك بأسا فأخبره رافع أن النبي نهى عنها } فترك ذلك بخبر رافع وكان زيد بن ثابت سمع النبي يقول { لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت } يعني طواف الوداع بعد طواف الزيارة فخالفه ابن عباس وقال تصدر الحائض دون غيرها فأنكر ذلك زيد بن ثابت على ابن عباس فقال ابن عباس : سل أم سلمة فسألها فأخبرته { أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص للحائض في أن تصدر ولا تطوف } فرجع إلى ابن عباس فقال وجدت الأمر كما قلت .

التالي السابق


الخدمات العلمية