الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 177 ]

                                                                                                                                                                                                                                      سورة المائدة

                                                                                                                                                                                                                                      آ. ( 1 ) هذه السورة مدنية. بسم الله الرحمن الرحيم. قد تقدم نظير قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا ، والبهيمة: كل ذات أربع في البر أو البحر. وقيل: ما أبهم من جهة نقص النطق والفهم. وكل ما كان على وزن فعيل أو فعلية حلقي العين، جاز في فائه الكسر إتباعا لعينه، نحو: بهيمة، وشعيرة، وصغيرة، وبحيرة. والأنعام تقدم بيانها في آل عمران.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إلا ما يتلى" هذا مستثنى من بهيمة الأنعام، والمعنى: ما يتلى عليكم تحريمه، وذلك قوله: حرمت عليكم الميتة إلى قوله: وما ذبح على النصب . [ وفيه قولان، أحدهما: أنه مستثنى متصل. والثاني: ] أنه منقطع حسب ما فسر به المتلو عليهم، كما سيأتي بيانه، وعلى تقدير كونه استثناء متصلا يجوز في محله وجهان، أظهرهما: أنه منصوب؛ لأنه استثناء متصل من موجب، ويجوز أن يرفع على أنه نعت لـ "بهيمة" على ما قرر في علم النحو. ونقل ابن عطية عن الكوفيين وجهين آخرين، أحدهما: أنه [ ص: 178 ] يجوز رفعه على البدل من "بهيمة". والثاني: أن "إلا" حرف عطف وما بعدها عطف على ما قبلها، ثم قال: وذلك لا يجوز عند البصريين إلا من نكرة، أو ما قاربها من أسماء الأجناس، نحو: جاء الرجال إلا زيد، كأنك قلت: غير زيد. وقوله: "وذلك" ظاهره أنه مشار به إلى وجهي الرفع: البدل والعطف. وقوله: "إلا من نكرة" غير ظاهر؛ لأن البدل لا يجوز البتة من موجب عند أحد من الكوفيين والبصريين، ولا يشترط في البدل التوافق تعريفا وتنكيرا. وأما العطف فذكره بعض الكوفيين، وأما الذي اشترط فيه البصريون التنكير أو ما قاربه، فإنما اشترطوه في النعت بـ "إلا"، فيحتمل أنه اختلط على أبي محمد شرط النعت، فجعله شرطا في البدل، هذا كله إذا أريد بالمتلو عليهم تحريمه قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة إلى آخره، وإن أريد به الأنعام، والظباء، وبقر الوحش، وحمره، فيكون منقطعا بمعنى "لكن" عند البصريين، وبمعنى "بل" عند الكوفيين، وسيأتي بيان هذا المنقطع بأكثر من هذا عند التعرض لنصب "غير" عن قرب.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: "غير" في نصبه خمسة أوجه، أحدها: أنه حال من الضمير المجرور في "لكم"، وهذا قول الجمهور، وإليه ذهب الزمخشري، وابن عطية، وغيرهما، وقد ضعف هذا الوجه بأنه يلزم منه تقييد إحلال بهيمة الأنعام لهم بحال كونهم غير محلي الصيد وهم حرم، إذ يصير معناه: أحلت لكم بهيمة الأنعام في حال كون انتفاء كونكم تحلون الصيد وأنتم حرم، والغرض أنهم قد أحلت لهم بهيمة الأنعام في هذه الحال وفي غيرها، هذا إذا أريد ببهيمة الأنعام: الأنعام نفسها، وأما إذا عني بها الظباء، وحمر الوحش، وبقره على ما فسره بعضم، فيظهر للتقييد بهذه الحال فائدة؛ إذ يصير المعنى: أحلت [ ص: 179 ] لكم هذه الأشياء حال انتفاء كونكم تحلون الصيد وأنتم حرم، فهذا معنى صحيح، ولكن التركيب الذي قدرته لك فيه قلق. ولو أريد هذا المعنى من الآية الكريمة لجاءت به على أحسن تركيب وأفصحه.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني: - وهو قول الأخفش وجماعة - أنه حال من فاعل "أوفوا"، والتقدير: أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم. وقد ضعفوا هذا المذهب من وجهين، الأول: أنه يلزم منه الفصل بين الحال وصاحبها بجملة أجنبية، ولا يجوز الفصل إلا بجمل الاعتراض، وهذه الجملة وهي قوله: أحلت لكم بهيمة الأنعام ليست اعتراضية، بل هي منشئة أحكاما ومبينة لها، وجملة الاعتراض إنما تفيد تأكيدا وتسديدا. والثاني: أنه يلزم منه تقييد الأمر بإيفاء العقود بهذه الحالة، فيصير التقدير كما تقدم، وإذا اعتبرنا مفهومه يصير المعنى: فإذا انتفت هذه الحال فلا توفوا بالعقود، والأمر ليس كذلك، فإنهم مأمورون بالإيفاء بالعقود على كل حال من إحرام وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثالث: أنه منصوب على الحال من الضمير المجرور في "عليكم"؛ أي: إلا ما يتلى عليكم حال انتفاء كونكم محلين الصيد. وهو ضعيف أيضا بما تقدم من أن المتلو عليهم لا يقيد بهذه الحال دون غيرها، بل هو متلو عليهم في هذه الحال وفي غيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الرابع: أنه حال من الفاعل المقدر، يعني: الذي حذف، وأقيم المفعول مقامه في قوله تعالى: أحلت لكم بهيمة ، فإن التقدير عنده: أحل الله لكم بهيمة الأنعام غير محل لكم الصيد وأنتم حرم. فحذف الفاعل وأقام المفعول مقامه، وترك الحال من الفعل باقية. وهذا الوجه فيه ضعف من وجوه، الأول: أن الفاعل المنوب عنه صار نسيا منسيا غير ملتفت إليه، نصوا [ ص: 180 ] على ذلك، لو قلت: أنزل الغيث مجيبا لدعائهم، وتجعل "مجيبا" حالا من الفاعل المنوب عنه، فإن التقدير: أنزل الله الغيث حال إجابته لدعائهم، لم يجز، فكذلك هذا، ولا سيما إذا قيل: بأن بنية الفعل المبني للمفعول بنية مستقلة غير محلولة من بنية مبنية للفاعل، كما هو قول الكوفيين، وجماعة من البصريين. الثاني: أنه يلزم منه التقييد بهذه الحال، إذا عنى بالأنعام الثمانية الأزواج، وتقييد إحلاله تعالى لهم هذه الثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم، والله تعالى قد أحل لهم هذه مطلقا. والثالث: أنه كتب "محلي" بصيغة الجمع، فيكف يكون حالا من الله ؟ وكأن هذا القائل زعم أن اللفظ "محل" من غير ياء، وسيأتي ما يشبه هذا القول.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الخامس: أنه منصوب على الاستثناء المكرر، يعني: أنه هو وقوله: "إلا ما يتلى" مستثنيان من شيء واحد، وهو "بهيمة الأنعام"، نقل ذلك بعضهم عن البصريين، قال: والتقدير: إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون، بخلاف قوله تعالى: إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين على ما يأتي بيانه، قال هذا القائل: ولو كان كذلك، لوجب إباحة الصيد في الإحرام؛ لأنه مستثنى من الإباحة. وهذا وجه ساقط، فإذن معناه: أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلي الصيد وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم سوى الصيد. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشيخ: إنما عرض الإشكال من جعلهم "غير محلي الصيد" حالا من المأمورين بإيفاء العقود، أو من المحلل لهم، وهو الله تعالى، أو من [ ص: 181 ] المتلو عليهم، وغرهم في ذلك كونه كتب "محلي" بالياء، وقدروه هم أنه اسم فاعل من "أحل"، وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدي إلى المفعول، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة، وأصله: غير محلين الصيد، إلا في قول من جعله حالا من الفعل المحذوف، فإنه لا يقدر حذف نون، بل حذف تنوين. وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله: "محلي الصيد" من باب قولهم: حسان النساء، والمعنى: النساء الحسان، فكذلك هذا، أصله: غير الصيد المحل، والمحل صفة للصيد لا للناس، ولا للفاعل المحذوف. ووصف الصيد بأنه محل على وجهين، أحدهما: أن يكون معناه دخل في الحل، كما تقول: أحل الرجل: إذا دخل في الحل، وأحرم: إذا دخل في الحرم. والوجه الثاني: أن يكون معناه: صار ذا حل؛ أي: حلالا بتحليل الله، وذلك أن الصيد على قسمين: حلال وحرام، ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال، لكنه يختص به شرعا، وقد تجوزت العرب فأطلقت الصيد على ما لا يوصف بحل ولا حرمة، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      1684 - ليث يعثر يصطاد الرجال إذا ما الليث كذب عن أقرانه صدقا



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      1685 - وقد ذهبت سلمى بعقلك كله     فهل غير صيد أحرزته حبائله [ ص: 182 ]



                                                                                                                                                                                                                                      وقول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      1686 - وهر تصيد قلوب الرجال     وأفلت منها ابن عمرو حجر



                                                                                                                                                                                                                                      ومجيء "أفعل" على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب، فمن مجيء أفعل لبلوغ المكان ودخوله قولهم: أحرم الرجل وأعرق، وأشأم وأيمن، وأتهم وأنجد، إذا بلغ هذه الأماكن وحل بها، ومن مجيء أفعل بمعنى "صار ذا كذا" قولهم: أعشبت الأرض، وأبقلت، وأغد البعير، وألبنت الشاة، وغيرها، وأجرت الكلبة، وأصرم النخل، وأتلت الناقة، وأحصد الزرع، وأجرب الرجل، وأنجبت المرأة. وإذا تقرر أن الصيد يوصف بكونه محلا باعتبار أحد الوجهين المذكورين من كونه بلغ أو صار ذا حل، اتضح كونه استثناء ثانيا، ولا يكون استثناء من استثناء. إذ لا يمكن ذلك لتناقض الحكم؛ لأن المستثنى من المحلل محرم، والمستثنى من المحرم محلل، بل إن كان المعني بقوله: "بهيمة الأنعام": الأنعام أنفسها، فيكون استثناء منقطعا، وإن كان المراد الظباء وبقر الوحش وحمره، فيكون استثناء متصلا على أحد تفسيري المحل، استثنى الصيد الذي بلغ الحل في حال كونهم محرمين. فإن قلت: ما فائدة هذا الاستثناء بقيد بلوغ الحل، والصيد الذي في الحرم لا يحل أيضا ؟ قلت: الصيد الذي في الحرم لا يحل للمحرم ولا لغير المحرم، وإنما يحل لغير المحرم الصيد الذي في الحل، فنبه بأنه إذا كان الصيد الذي في الحل على المحرم - وإن كان حلالا لغيره - فأحرى أن يحرم عليه [ ص: 183 ] الصيد الذي هو بالحرم، وعلى هذا التفسير يكون قوله: "إلا ما يتلى عليكم" إن كان المراد به ما جاء بعده من قوله: "حرمت عليكم" الآية، استثناء منقطعا، إذ لا تختص الميتة، وما ذكر معها بالظباء وبقر الوحش وحمره فيصير: لكن ما يتلى عليكم - أي: تحريمه - فهو محرم، وإن كان المراد ببهيمة الأنعام: الأنعام والوحوش، فيكون الاستثناءان راجعين إلى المجموع على التفصيل، فيرجع "ما يتلى عليكم" إلى الثمانية الأزواج، ويرجع "غير محلي الصيد" إلى الوحوش؛ إذ لا يمكن أن يكون الثاني استثناء من الاستثناء الأول، وإذا لم يمكن ذلك وأمكن رجوعه إلى الأول بوجه ما رجع إلى الأول، وقد نص النحويون أنه إذا لم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض، جعل الكل مستثنى من الأول، نحو: قام القوم إلا زيدا، إلا عمرا، إلا بكرا. فإن قلت: ما ذكرته من هذا التخريج، وهو كون المحل من صفة الصيد لا من صفة الناس، ولا من صفة الفاعل المحذوف، يأباه رسمه في المصحف "محلي" بالياء، ولو كان من صفة الصيد دون الناس لكتب "محل" من غير ياء، وكون القراء وقفوا عليه بالياء أيضا يأبى ذلك. قلت: لا يعكر ذلك على التخريج؛ لأنهم قد رسموا في المصحف الكريم أشياء تخالف النطق بها ككتابتهم: "لا أذبحنه، ولا أوضعوا" ألفا بعد لام الألف، وكتابتهم: "بأييد" بياءين بعد الهمزة، وكتابتهم: "أولئك" بزيادة واو ونقص ألف بعد اللام، وكتابتهم: "الصالحات" ونحوه بسقوط الألفين إلى غير ذلك. وأما وقفهم عليه بالياء فلا يجوز، إذ لا يوقف على المضاف دون المضاف إليه، وإن وقف واقف، فإنما يكون لقطع نفس أو اختبار، وعلى أنه يمكن توجيه كتابته بالياء [ ص: 184 ] والوقف عليه بها، وهو أن لغة الأزد يقفون فيها على "بزيد": بزيدي، بإبدال التنوين ياء، فكتب "محلي" على الوقف على هذه اللغة بالياء، وهذا توجيه شذوذ رسمي، ورسم المصحف مما لا يقاس عليه. انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا الذي ذكره واختاره، وغلط الناس فيه ليس بشيء، وما ذكره من توجيه ثبوت الياء خطا ووقفا، فخطأ محض؛ لأنه على تقدير تسليم ذلك في تلك اللغة، فأين التنوين الذي في "محل" ؟ وكيف يكون فيه تنوين وهو مضاف، حتى يقول: إنه قد يوجه بلغة الأزد، وما ذكره من كونه يحتمل مما يكونون قد كتبوه، كما كتبوا تلك الأمثلة المذكورة، فشيء لا يعول عليه؛ لأن خط المصحف سنة متبعة لا يقاس عليه، فكيف يقول: يحتمل أن يقاس هذا على تلك الأشياء ؟ وأيضا فإنهم لم يعربوا "غير" إلا حالا، حتى نقل بعضهم الإجماع على ذلك، وإنما اختلفوا في صاحب الحال، فقوله: إنه استثناء ثان مع هذه الأوجه الضعيفة خرق للإجماع، إلا ما تقدم نقله عن بعضهم من أنه استثناء ثان، وعزاه للبصريين، لكن لا على هذا المدرك الذي ذكره الشيخ. وقديما وحديثا استشكل الناس هذه الآية. قال ابن عطية: وقد خلط الناس في هذا الموضع في نصب "غير"، وقدروا تقديمات وتأخيرات، وذلك كله غير مرض؛ لأن الكلام على اطراده، فيمكن استثناء بعد استثناء. وهذه الآية مما اتضح للفصحاء البلغاء فصاحتها وبلاغتها، حتى يحكى أنه قيل للكندي: أيها الحكيم؛ اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: نعم أعمل لكم مثل بعضه، فاحتجب أياما كثيرة، ثم خرج فقال: والله لا يقدر أحد على ذلك، إنني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن [ ص: 185 ] النكث، وحلل تحليلا عاما ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على نصب "غير"، وقرأ ابن أبي عبلة برفعه، وفيه وجهان، أظهرهما: أنه نعت لـ "بهيمة الأنعام"، والموصوف بـ "غير" لا يلزم فيه أن يكون مماثلا لما بعدها في جنسه، تقول: مررت برجل غير حمار، هكذا قالوه، وفيه نظر، ولكن ظاهر هذه القراءة يدل لهم. والثاني: أنه نعت للضمير في "يتلى" قال ابن عطية: لأن "غير محلي الصيد" في المعنى بمنزلة "غير مستحل إذا كان صيدا"، وفيه تكلف.

                                                                                                                                                                                                                                      والصيد في الأصل مصدر صاد يصيد ويصاد، ويطلق على المصيد، كـ "درهم ضرب الأمير"، وهو في الآية الكريمة يحتمل الأمرين؛ أعني من كونه باقيا على مصدريته، كأنه قيل: أحل لكم بهيمة الأنعام غير محلين الاصطياد وأنتم محرمون، ومن كونه واقعا موقع المفعول؛ أي: غير محلين الشيء المصيد وأنتم محرمون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "وأنتم حرم" مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال، وما هو صاحب هذه الحال ؟ فقال الزمخشري: هي حال عن "محلي الصيد"، كأنه قيل: أحللنا لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون؛ لئلا نتحرج عليكم. قال الشيخ: وقد بينا فساد هذا القول بأن الأنعام مباحة مطلقا لا بالتقيد بهذه الحال. وهذا الرد ليس بشيء؛ لأنه إذا أحل لهم بعض الأنعام في حال امتناعهم من الصيد، فأن يحلها لهم وهم غير [ ص: 186 ] محرمين بطريق الأولى. و "حرم" جمع حرام بمعنى: محرم، قال:


                                                                                                                                                                                                                                      1687 - فقلت لها فيئي إليك فإنني     حرام وإني بعد ذاك لبيب



                                                                                                                                                                                                                                      أي: ملب. وأحرم: إذا دخل في الحرم أو في الإحرام. وقال مكي بن أبي طالب: هو في موضع نصب على الحال من المضمر في "محلي"، وهذا هو الصحيح، وأما ما ذكره أبو القاسم فلا يظهر، وفيه مجيء الحال من المضاف إليه في غير المواضع المستثناة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ يحيى بن وثاب، وإبراهيم، والحسن: "حرم" بسكون الراء، قال أبو الحسن: هي لغة تميم، يعني: يسكنون ضم "فعل" جمعا، نحو: رسل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية