الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 355 ] باب القضاء قال أبو العباس قدس الله روحه " فائدة نافعة جامعة " المقصود من القضاء وصول الحقوق إلى أهلها وقطع المخاصمة . فوصول الحقوق هو المصلحة وقطع المخاصمة إزالة المفسدة . فالمقصود هو جلب تلك المصلحة وإزالة هذه المفسدة . ووصول الحقوق هو من العدل الذي تقوم به السماء والأرض . وقطع الخصومة هو من " باب دفع الظلم والضرر " وكلاهما ينقسم إلى إبقاء موجود ودفع مفقود . ففي وصول الحقوق إلى مستحقها يحفظ موجودها ويحصل مقصودها وفي الخصومة يقطع موجودها ويدفع مفقودها . فإذا حصل الصلح زالت الخصومة التي هي أحد المقصودين . وأما " الحقوق " فإما أن تكون وصلت معه أو رضي صاحب الحق بتركه وهو جائز وإذا انفصلت الحقوق بحكم وشهادة ونحو ذلك فقد يكون في فصلها جرح الحكام والشهود ونحو ذلك وهو من المفاسد التي لا يصار إليها إلا لضرورة كالمخاصمة ; فإنه قد يكون في الفصل الأمر صعبا بين المتخاصمين وغيرهما . [ ص: 356 ] " فالأقسام أربعة " : إما فصل بصلح .

                فهذا هو الغاية لأنه حصل المقاصد الثلاث على التمام . وإما فصل بحكم مر . فقد حصل معه وصول الحق وقطع الخصومة ولم يحصل معه صلاح ذات البين : وإما صلح على ترك بعض ما يدعي أنه حق . فهذا أيضا قد حصل مقصود الصلح وقطع النزاع ; ولم يحصل مقصود وصول الحقوق ; لكن ما يقوم مقامه من الترك . ومن هنا يتبين أن الحكم بالصلح أحسن من الحكم بالفصل المر لأنهما اشتركا في دفع الخصومة وامتاز ذلك بصلاح ذات البين مع ترك أحدهما لحقه ; وامتاز الآخر بأخذ المستحق حقه مع ضغائن . فتلك المصلحة أكمل لا سيما إن كان الحق إنما هو في الظاهر وقد يكون الباطن بخلافه . وأما لا فضل ولا صلح فهذا لا يصلح يحصل به مفسدة ترك القضاء . وإن كان الحق في يد صاحبه كالوقف وغيره يخاف إن لم يحفظ بالبينات أن ينسيه شرط ويجحد ولا يأتيه ونحو ذلك ; فهنا في سماع الدعوى والشهادة من غير خصم حفظ الحق المجحود عن خصم مقدر وهذا أحد مقصودي القضاء فلذلك يسمع ذلك . ومن قال من الفقهاء : لا يسمع ذلك كما يقوله طوائف من الحنفية والشافعية والحنبلية فعنده ليس للقضاء فائدة إلا فصل الخصومة ولا خصومة ولا قضاء ; فلذلك لا تسمع البينة إلا في وجه مدعى عليه لتظهر الخصومة . ومن قال بالخصم المسخر فإنه ينصب للشر ثم يقطعه ومن قال تسمع فإنه يحفظ الحق الموجود ويذر الشر المفقود . والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية