الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الآفة الثانية عشر : إفشاء السر .

وهو منهي عنه ؛ لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف ، والأصدقاء ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا حدث الرجل ثم التفت فهي أمانة .

وقال مطلقا الحديث بينكم أمانة .

وقال الحسن إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ويروى أن معاوية رضي الله عنه أسر إلى الوليد بن عتبة حديثه ، فقال لأبيه يا أبت ، إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثا ، وما أراه يطوى عنك ما بسطه إلى غيرك . قال : فلا تحدثني به ؛ فإن من كتم سره كان الخيار إليه ، ومن أفشاه كان الخيار عليه . قال فقلت : : يا أبت ، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه، فقال: ؟ : لا والله يا بني ، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السر . قال فأتيت معاوية فأخبرته ، فقال : يا وليد ، أعتقك أبوك من رق الخطأ فإفشاء السر خيانة ، وهو حرام ، إذا كان فيه إضرار ولؤم إن لم يكن فيه إضرار ، وقد ذكرنا ما يتعلق بكتمان السر في كتاب آداب الصحبة فأغنى عن الإعادة .

.

التالي السابق


(الآفة الثانية عشرة: إفشاء السر ) أي: إظهاره، (وهو منهي عنه؛ لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف، والأصدقاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة" ) قال العراقي : رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث جابر ، وقد تقدم، قلت: ورواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا ابن أبي ذئب ، أخبرني عبد الرحمن بن عطاء ، عن عبد الملك بن جابر بن عتيك ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حدث.. فساقه. (وقال) صلى الله عليه وسلم: ( مطلق الحديث بينكم أمانة ) ، رواه ابن [ ص: 505 ] أبي الدنيا ، عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا حيوة بن شريح ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره، هكذا رواه مرسلا، وهو إسناد جيد. (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: ( إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك ) ، رواه ابن أبي الدنيا عن أحمد بن جميل ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال: سمعته يقول: إن من الخيانة.. فذكره، (ويروى أن معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنه، (أسر إلى الوليد بن عتبة) بن أبي سفيان، وهو ابن أخي معاوية (حديثا، فقال) الوليد (لأبيه) عتبة بن أبي سفيان ، وهو أخو معاوية لأبويه، قال ابن منده : ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وولاه عمر الطائف ، وأنكره الحافظ ابن حجر في الإصابة، وقال: لم أجد بعد التتبع ما يدل على أنه ولد في العهد النبوي، وهو محتمل، وإنما ولاه الطائف أخوه معاوية ، حج بالناس سنة إحدى وأربعين، وبعدها، ثم ولاه بمصر الجند بعد عزله عبد الله بن عمرو بن العاص ، فمات بالإسكندرية ، هذا لفظه في الإصابة، ورجح تلميذه الحافظ السخاوي أن الموصوف بما ذكر في كلام ابن منده هو عنبسة بن أبي سفيان ، لا عتبة ، وقد وجدت في كتاب الأنساب لأبي عبيد القاسم بن سلام ما يشهد لما ذكره الحافظ ، قال: ومن بني حرب بن أمية معاوية ، وعتبة ، ويزيد ، وعنبسة ، ومحمد ، وعمرو وحنظلة ، بنو أبي سفيان بن حرب ، وأم معاوية وعتبة هند بنت عتبة بن ربيعة ، وأم عنبسة ومحمد عاتكة بنت أبي أزهر الدوسي ، وكان معاوية ولى عنبسة الطائف ، ثم عزله، وولاه عتبة ، (يا أبت، إن أمير المؤمنين) يعني عمه معاوية ، (أسر إلي حديثا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإن من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت: يا أبت، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر. قال) الوليد : (فأتيت معاوية ، فحدثته) بما جرى، (فقال: يا وليد ، أعتقك أخي من رق الخطإ) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، فقال: وحدثني أبي عن بعض أشياخه قال: أسر معاوية إلى الوليد بن عتبة ، فذكر القصة، ثم قال: وحدثني أبي عن رجل من همدان قال: سمعت أعرابيا يقول لابن عم له: إن سرك من دمك، فلا تضعه إلا عند من تثق به، قال: وحدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جريرة بن حمزة الزيات قال: قال علي رضي الله عنه:


ولا تفش سرك إلا إليـ ـك فإن لكل نصيح نصيحا




فإني رأيت غواة الرجا ل لا يتركون أديما صحيحا



(فإفشاء السر خيانة، وهو حرام، إذا كان فيه إضرار ولؤم) طبع، (إذا لم يكن فيه إضرار، وقد ذكرنا ما يتعلق بكتمان السر في كتاب الصحبة) ، وفصلناه (فلا نعيده) ثانيا، والله الموفق .




الخدمات العلمية