الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5589 [ ص: 492 ] ص: باب: العرايا

                                                التالي السابق


                                                ش: أي هذا باب في بيان حكم العرايا، وهو جمع عرية، فعلية بمعنى مفعولة، من عراه يعروه: إذا قصده، ويحتمل أن تكون فعلية بمعنى فاعلة، من عري يعرى: إذا خلع ثوبه كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت، قال القاضي: قد اختلف أهل اللغة في هذه التسمية، فقال بعضهم: ذلك مأخوذ من عروت الرجل إذا أتيته تسأل معروفه، فأعراه نخلة على هذا أعطاه ثمرها، فهو يعروها: أي يأتيها ليأكل ثمرها، وهم يقولون: سألني فأسألته، وطلبني فأطلبته، فعلى هذه الطريقة هي التي فسرها بعض أهل العلم، وهي التي صوب أبو عبيد في التفسير وهو من أئمة اللغة، وقد قال بعض أهل اللغة: إنها مأخوذة من كون المعري قد أخلى ملكه عنها وأعراها من ملكه، وعلى هذا يصح صرف العرية إلى إخلائه ملكه من الثمر، أو من بعض الشجر، وقال ابن الأثير في "النهاية": اختلف في تفسيرها، فقيل: إنه لما نهى عن المزابنة وهو بيع الثمر في رءوس النخل بالتمر؛ رخص من جملة المزابنة في العرايا، وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل لهم يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجيء إلى صاحب النخل فيقول له: بعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات ليصيب من رطبها مع الناس، فرخص فيه إذا كان دون خمس أوسق، وفي "شرح الموطأ" لابن زرقون: العرايا: جمع عرية، وهي عطية ثمر النخل دون الرقاب كانوا يعطون ذلك إذا دهمتهم سنة لمن لا نخل له، فيعطيه من نخله ما سمحت به نفسه مثل الأفقار والأحبال والمنحة والعمرى، وكانت العرب تتمدح بالإعراء، وفي "الاستذكار": قال أهل اللغة: العرية مأخوذة من قولهم: عروت الرجل أعروه إذا أتيته تلتمس بره ومعروفه من قوله تعالى: وأطعموا القانع والمعتر وقيل: هو مأخوذ من تخلي الإنسان عن [ ص: 493 ] ملكه من الثمرة، من قوله تعالى فنبذناه بالعراء أي بالموضوع الخالي، وقال صاحب "العين": العرية من النخل الذي تعرى من المساومة عند بيع النخل. قال عبد الوهاب: معنى العرية عندنا أن يهب الرجل ثمر نخلة أو نخلات من حائطه لرجل. قال ابن زرقون: وهذا الذي ذكر يجيء على مذهب أشهب وابن حبيب، وأما ابن القاسم فالعرية عنده أن يعطيه الثمرة على وجه مخصوص، وهو أن يكون على المعرى ما يلزمها إلى بدو صلاحها. وذلك عنده يلزم الموهوب له من يوم الهبة، ففرق في ذلك بين العرية والهبة، ولذلك قال: عن مالك: زكاة العرية على المعرى، وزكاة الهبة على الموهوب له، قال: ففرق بينهما في الزكاة والسقي، وقال أشهب: زكاة العرية على المعرى كالهبة إلا أن يعروه بعد الزهو، ويلزمه مثل ذلك في السقي، وقال محمد: لا خلاف بينهم أن السقي على المعرى، وقال ابن حبيب: السقي والزكاة على المعرى والواهب، وقال سحنون: إن كانت العرية والهبة بيد المعرى والواهب يسقيها ويقوم عليها فالزكاة عليه، وإن كانتا بيد المعرى أو الموهوب له يقوم عليها ويأكل منها فالزكاة عليه.

                                                قلت: الذي ذكره الأئمة الأربعة وغيرهم في تفسير العرايا وحكمها سيجيء في موضعها في هذا الباب إن شاء الله تعالى.




                                                الخدمات العلمية