الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل في معرفة تفضيل بعض الموجودات الحادثات على بعض الجواهر والأجسام الأجسام كلها متساوية من جهة ذواتها ، وإنما يفضل بعضها على بعض بصفاتها وأعراضها وأنسابها إلى الأوصاف الشريفة والأفعال النفيسة .

والفضائل ضربان : أحدهما فضائل الجمادات كفضل الجوهر على الذهب وفضل الذهب على الفضة ، وفضل الفضة على الحديد ، وفضل الأنوار على الظلمات ، وفضل الشفاف على غير الشفاف ، وفضل اللطيف على الكثيف ، والنير على المظلم ، والحسن على القبيح . [ ص: 231 ]

الضرب الثاني فضائل الخيرات وهي أقسام :

أحدها : حسن الصورة .

والثاني : قوى الأجسام ، كالقوى الحادثة والممسكة والدافعة والغاذية ، والقوى على الجهاد والقتال وحمل الأعباء والأثقال .

الثالث : الصفات الداعية إلى الخيور ، والوازعة عن الشرور : كالغيرة والنخوة والحياء والشجاعة والحلم والأناة والسخاء .

الرابع : العقول .

الخامس : الحواس .

السادس : العلوم المكتسبة وهي أقسام :

أحدها : معرفة وجود الإله وصفاته الذاتية والسلبية والعقلية .

الثاني : معرفة إرسال الرسل وإنزال الكتب وتنبيه الأنبياء .

الثالث : معرفة ما شرعه الله من الأحكام الخمسة وأسبابها وشرائعها وتوابعها .

السابع : الأحوال الناشئة عما ذكره من المعارف .

الثامن : القيام بطاعة الله في كل ما أمر به ونهى عنه .

التاسع : ما رتبه الله على هذه المعارف والأحوال والطاعات من لذات الآخرة وأفراحها بالنعيم الروحاني : كلذة الأمن من عذاب الله ، والأنس بقربه وجواره ، وسماعه وكلامه ، وتبشيره بالرضا الدائم ، وكذلك النظر إلى وجهه الكريم مع الخلاص من عذابه الأليم .

فهذه فضائل بعضها أفضل من بعض فمن اتصف بأفضلها كان من أفضل البرية ، ولا شك أن معرفة الله ومعرفة صفاته ولذات رضاه والنظر إلى وجهه الكريم أفضل مما عداهن ، وأفضل الملائكة من قام به أفضل هذه الصفات ، فإن تساوى اثنان من الملائكة في ذلك لم يفضل أحدهما على الآخر [ ص: 232 ]

وإن فضل البشر على الملك بشيء من ذلك كان أفضل منه ، وإن فضل الملك على البشر بشيء من ذلك كان أفضل منه ، والفضل منحصر في أوصاف الكمال ، والكمال إنما يكون بالمعارف والطاعات والأحوال .

أما بالأفراح واللذات فإنه أحسن إلى أجساد الأنبياء والأولياء بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وأحسن إلى أرواحهم بالمعارف الكاملة والأحوال المتوالية ، وأذاقهم لذة النظر إليه وسرور رضاه عنهم وكرامة تسليمه عليهم فمن أين للملائكة مثل هذا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية