الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث الثاني : في إمكان الإجماع في نفسه

                        فقال قوم منهم النظام وبعض الشيعة بإحالة إمكان الإجماع .

                        قالوا : إن اتفاقهم على الحكم الواحد الذي لا يكون معلوما بالضرورة محال ، كما أن اتفاقهم في الساعة الواحدة على المأكول الواحد ، والتكلم بالكلمة الواحدة محال .

                        [ ص: 235 ] وأجيب : بأن الاتفاق إنما يمتنع فيما يستوي فيه الاحتمال ، كالمأكول المعين ، والكلمة المعينة ، أما عند الرجحان بقيام الدلالة ، أو الأمارة الظاهرة فذلك غير ممتنع ، وذلك كاتفاق الجمع العظيم على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

                        قالوا ثانيا : إن اتفاقهم فرع تساويهم في نقل الحكم إليهم ، وانتشارهم في الأقطار يمنع نقل الحكم إليهم .

                        وأجيب : بمنع كون الانتشار يمنع ذلك من جدهم في الطلب ، وبحثهم عن الأدلة ، وإنما يمتنع ذلك على من قعد في قعر بيته لا يبحث ولا يطلب .

                        قالوا ثالثا : الاتفاق إما عن قاطع ، أو ظني ، وكلاهما باطل .

                        أما القاطع ، فلأن العادة تحيل عدم نقله ، فلو كان لنقل ، فلما لم ينقل ، علم أنه لم يوجد ، كيف ولو نقل لأغنى عن الإجماع .

                        وأما الظني ، فلأنه يمتنع الاتفاق عادة ، لاختلاف الأفهام وتباين الأنظار .

                        وأجيب : بمنع ما ذكر في القاطع ، إذ قد يستغني عن نقله بحصول الإجماع الذي هو أقوى منه ، وأما الظني فقد يكون جليا لا تختلف فيه الأفهام ، ولا تتباين فيه الأنظار ، فهذا أعني منع إمكان الإجماع في نفسه هو المقام الأول .

                        المقام الثاني : إمكان العلم بالإجماع

                        على تقدير تسليم إمكانه في نفسه ، منع إمكان العلم به .

                        فقالوا : لا طريق لنا إلى العلم بحصوله ; لأن العلم بالأشياء إما أن يكون وجدانيا أو لا يكون وجدانيا :

                        أما الوجداني : فكما يجد أحدنا من نفسه من جوعه وعطشه ولذته وألمه ، ولا شك أن العلم باتفاق أمةمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ليس من هذا الباب .

                        وأما الذي لا يكون وجدانيا : فقد اتفقوا على أن الطريق إلى معرفته لا مجال للعقل فيها إذ كون الشخص الفلاني قال بهذا القول أو لم يقل به ، ليس من حكم العقل بالاتفاق ، ولا مجال أيضا للحس فيها ; لأن الإحساس بكلام الغير لا يكون إلا بعد معرفته ، فإذا العلم باتفاق الأمة لا يحصل إلا بعد معرفة كل واحد منهم ، وذلك متعذر [ ص: 236 ] قطعا ومن ذلك الذي يعرف جميع المجتهدين من الأمة في الشرق والغرب وسائر البلاد الإسلامية ، فإن العمر يفنى دون مجرد البلوغ إلى كل مكان من الأمكنة التي يسكنها أهل العلم ، فضلا عن اختيار أحوالهم ، ومعرفة من هو من أهل الإجماع منهم ، ومن لم يكن من أهله ، ومعرفة كونه قال بذلك أو لم يقل به ، والبحث عمن هو خامل من أهل الاجتهاد ، بحيث لا يخفى على الناقل فرد من أفرادهم ، فإن ذلك قد يخفى على الباحث في المدينة الواحدة ، فضلا عن الإقليم الواحد ، فضلا عن جميع الأقاليم التي فيها أهل الإسلام .

                        ومن أنصف من نفسه علم أنه لا علم عند علماء الشرق بجملة علماء الغرب ، والعكس ، فضلا عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل ، وبكيفية مذهبه ، وبما يقوله في تلك المسألة بعينها .

                        وأيضا : قد يحمل بعض من يعتبر في الإجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف التقية والخوف على نفسه ، كما أن ذلك معلوم في كل طائفة من طوائف أهل الإسلام ، فإنهم قد يعتقدون شيئا إذا خالفهم فيه مخالف خشي على نفسه من مضرتهم .

                        وعلى تقدير إمكان معرفة ما عند كل واحد من أهل بلد ، وإجماعهم على أمر ، فيمكن أن يرجعوا عنه ، أو يرجع بعضهم قبل أن يجمع عليه أهل بلدة أخرى ، بل لو فرضنا حتما اجتماع العالم بأسرهم في موضع واحد ، ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة قائلين قد اتفقنا على الحكم الفلاني ، فإن هذا مع امتناعه ، لا يفيد العلم بالإجماع ; لاحتمال أن يكون بعضهم مخالفا فيه ، وسكت تقية وخوفا على نفسه .

                        وأما ما قيل : من أنا نعلم بالضرورة اتفاق المسلمين على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن أراد الاتفاق باطنا وظاهرا مما لا سبيل إليه ألبتة ، والعلم بامتناعه ضروري ، وإن أراد ظاهرا فقط استنادا إلى الشهرة والاستفاضة ، فليس هذا هو المعتبر في الإجماع ، بل المعتبر فيه : العلم بما يعتقده كل واحد من المجتهدين في تلك المسألة بعد معرفة أنه لا حامل له على الموافقة ، وأنه يدين لله بذلك ظاهرا وباطنا ، ولا يمكنه معرفة ذلك منه ، إلا بعد معرفته بعينه ، ومن ادعى أنه يتمكن الناقل للإجماع من معرفة كل من يعتبر فيه من علماء الدنيا ، فقد أسرف في الدعوى ، وجازف في القول لما قدمنا من تعذر ذلك تعذرا ظاهرا واضحا .

                        [ ص: 237 ] ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل ، فإنه قال : من ادعى وجوب الإجماع فهو كاذب .

                        والعجب من اشتداد نكير القاضي أبي بكر على من أنكر تصور وقوع الإجماع عادة ، فإن إنكاره على المنكر هو المنكر .

                        وفصل الجويني بين كليات الدين ، فلا يمتنع الإجماع عليها ، وبين المسائل المظنونة ، فلا يتصور الإجماع عليها عادة .

                        ولا وجه لهذا التفصيل ، فإن النزاع إنما هو في المسائل التي دليلها الإجماع ، وكليات الدين معلومة بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة .

                        وجعل الأصفهاني الخلاف في غير إجماع الصحابة ، وقال : الحق تعذر الاطلاع على الإجماع ، لا إجماع الصحابة حيث كان المجمعون - وهم العلماء - منهم في قلة ، وأما الآن وبعد انتشار الإسلام ، وكثرة العلماء ، فلا مطمع للعمل به .

                        قال : وهو اختيار أحمد مع قرب عهده من الصحابة ، وقوة حفظه ، وشدة اطلاعه على الأمور النقلية ، قال : والمصنف يعلم أنه لا خبر له من الإجماع إلا ما يجده مكتوبا في الكتب ، ومن البين أنه لا يحصل الاطلاع عليه إلا بالسماع منهم ، أو بنقل أهل التواتر إلينا ، ولا سبيل إلى ذلك إلا في عصر الصحابة ، وأما من بعدهم فلا . انتهى .

                        [ ص: 238 ] المقام الثالث : النظر في نقل الإجماع إلى من يحتج به

                        قالوا : لو سلمنا إمكان ثبوت الإجماع عند الناقلين له لكان نقله إلى من يحتج به من بعدهم مستحيلا ; لأن طريق نقله إما التواتر ، أو الآحاد ، والعادة تحيل النقل تواترا ، لبعد أن يشاهد أهل التواتر كل واحد من المجتهدين شرقا وغربا ، ويسمعون ذلك منهم ثم ينقلونه إلى عدد متواتر ممن بعدهم ، ثم كذلك في كل طبقة إلى أن يتصل بنا .

                        وأما الآحاد : فغير معمول به في نقل الإجماع كما سيأتي .

                        وأجيب : بأنه تشكيك في ضروري ، للقطع بإجماع أهل كل عصر على تقديم القاطع على المظنون .

                        ولا يخفاك ما في هذا الجواب من المصادرة على المطلوب .

                        وأيضا كون ذلك معلوما ليس من جهة نقل الإجماع عليه ، بل من جهة كون كل متشرع لا يقدم الدليل الظني على القطعي ، ولا يجوز منه ذلك ; لأنه إيثار للحجة الضعيفة على الحجة القوية ، وكل عاقل لا يصدر منه ذلك .

                        المقام الرابع : في حجية الإجماع

                        اختلف - على تقدير تسليم إمكانه في نفسه ، وإمكان العلم به ، وإمكان نقله إلينا - هل هو حجة شرعية ؟

                        فذهب الجمهور إلى كونه حجة .

                        وذهب النظام والإمامية وبعض الخوارج إلى أنه ليس بحجة ، وإنما الحجة في [ ص: 239 ] مستنده إن ظهر لنا ، وإن لم يظهر ، لم نقدر للإجماع دليلا تقوم به الحجة .

                        واختلف القائلون بالحجية ، هل الدليل على حجيته العقل والسمع ، أم السمع فقط ؟

                        فذهب أكثرهم إلى أن الدليل على ذلك إنما هو السمع فقط ، ومنعوا ثبوته من جهة العقل ، قالوا : لأن العدد الكثير ، وإن بعد في العقل اجتماعهم على الكذب ، فلا يبعد اجتماعهم على الخطأ كاجتماع الكفار على جحد النبوة .

                        وقال جماعة منهم أيضا : إنه لا يصح الاستدلال على ثبوت الإجماع بالإجماع ، كقولهم : إنهم أجمعوا على تخطئة المخالف للإجماع ; لأن ذلك إثبات للشيء بنفسه ، وهو باطل ، فإن قالوا : إن الإجماع دل على نص قاطع في تخطئة المخالف ، ففيه إثبات الإجماع بنص يتوقف على الإجماع ، وهو دور .

                        وأجيب : بأن ثبوت هذه الصورة من الإجماع ، ودلالتها على وجود النص لا يتوقف على كون الإجماع حجة ، فلا دور ، ولا يخفاك ما في هذا الجواب من التعسف الظاهر ، ولا يصح أيضا الاستدلال عليه بالقياس ; لأنه مظنون ، ولا يحتج بالمظنون على القطعي ، فلم يبق إلا دليل النقل من الكتاب والسنة .

                        أدلة حجية الإجماع

                        فمن جملة ما استدلوا به قوله سبحانه : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا .

                        ووجه الاستدلال بهذه الآية أنه سبحانه جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد ، فلو كان اتباع غير سبيل المؤمنين مباحا لما جمع بينه وبين المحظور ، فثبت أن متابعة غير سبيل المؤمنين محظورة ومتابعة غير سبيل المؤمنين عبارة عن متابعة قول أو فتوى يخالف قولهم أو فتواهم ، وإذا كانت تلك محظورة ، وجب أن تكون متابعة قولهم وفتواهم واجبة .

                        وأجيب : بأنا لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين في الآية هو إجماعهم لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم في متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، أو في مناصرته ، أو في الاقتداء به ، أو فيما به صاروا مؤمنين ، وهو الإيمان به ، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال .

                        [ ص: 240 ] قال في المحصول : إن المشاقة عبارة عن الكفر بالرسول وتكذيبه ، وإذا كان كذلك لزم وجوب العمل بالإجماع عند تكذيب الرسول ، وذلك باطل ; لأن العلم بصحة الإجماع متوقف على العلم بالنبوة .

                        ويجاب : بأن العمل به حال عدم العلم بالنبوة يكون تكليفا بالجمع بين الضدين ، وهو محال ، ثم قال : لا نسلم أنه إذا كان اتباع غير سبيل المؤمنين حراما عند المشاقة ، كان اتباع سبيل المؤمنين واجبا عند المشاقة ; لأن بين القسمين ثالثا ، وهو عدم الاتباع أصلا .

                        سلمنا أنه يجب اتباع سبيل المؤمنين عند المشاقة ، ولكن لا نسلم أنه ممتنع قوله : المشاقة لا تحصل إلا عند الكفر ، وإيجاب العمل عند حصول الكفر محال .

                        قلنا : لا نسلم أن المشاقة لا تحصل إلا عند الكفر ، بيانه : أن المشاقة مشتقة من كون أحد الشخصين في شق ، والآخر في الشق الآخر ، وذلك يكفي فيه أصل المخالفة ، سواء بلغ حد الكفر ، أو لم يبلغه .

                        سلمنا أن المشاقة لا تحصل إلا عند الكفر ، فلم قلتم إن حصول الكفر ينافي العمل بالإجماع ، فإن الكفر بالرسول كما يكون بالجهل بكونه صادقا ، فقد يكون أيضا بأمور أخر ، كشد الزنار ، ولبس الغيار ، وإلقاء المصحف في القاذورات ، والاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الاعتراف بكونه نبيا ، وإنكار نبوته باللسان مع العلم بكونه نبيا ، وشيء من هذه الأنواع من الكفر لا ينافي العلم بوجوب الإجماع .

                        ثم قال : سلمنا أن الآية تقتضي المنع من متابعة غير سبيل المؤمنين ، لا بشرط مشاقة الرسول ، لكن بشرط تبين الهدى ( أولا بهذا الشرط الأول مسلم والثاني ممنوع ) ; لأنه ذكر مشاقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وشرط فيها تبين الهدى ثم عطف عليها اتباع غير سبيل المؤمنين فيجب أن يكون تبين الهدى شرطا في التوعد على متابعة غير سبيل المؤمنين ; لأن ما كان شرطا في المعطوف عليه يجب أن يكون شرطا في المعطوف ، واللام في الهدى للاستغراق ، فيلزم أن لا يحصل التوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين إلا عند تبين جميع أنواع الهدى ، ومن جملة أنواع الهدى ذلك الدليل ، الذي لأجله ذهب أهل الإجماع إلى ذلك الحكم ، وعلى هذا التقدير لا يبقى [ ص: 241 ] للتمسك بالإجماع فائدة ، وأيضا فالإنسان إذا قال لغيره : إذا تبين لك صدق فلان فاتبعه ، فهم منه تبين صدق قوله بشيء غير قوله ، فكذا هنا وجب أن يكون تبين صحة إجماعهم بشيء وراء الإجماع ، وإذا كنا لا نتمسك بالإجماع إلا بعد دليل منفصل على صحة ما أجمعوا عليه ، لم يبق للتمسك بالإجماع فائدة .

                        سلمنا أنها تقتضي المنع من متابعة غير سبيل المؤمنين ، ولكن هل المراد عن كل ما كان غير سبيل المؤمنين ، أو عن متابعة بعض ما كان كذلك ، الأول ممتنع ، وبتقدير التسليم ، فالاستدلال ساقط ، أما المنع فلأن لفظ ( الغير ) ولفظ ( السبيل ) كل واحد منهما لفظ مفرد فلا يفيد العموم .

                        وأما بتقدير التسليم ، فالاستدلال ساقط ; لأنه يصير معنى الآية أن من اتبع كل ما كان مغايرا لكل ما كان سبيل المؤمنين يستحق العقاب ، والثاني مسلم ، ونقول بموجبه ، فإن عندنا يحرم بعض ما غاير بعض سبيل المؤمنين ، وهو السبيل الذي صاروا به مؤمنين ، والذي يغايره هو الكفر بالله ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا التأويل متعين لوجهين :

                        أحدهما : أنا إذا قلنا لا تتبع غير سبيل الصالحين ، فهم منه المنع من متابعة غير سبيل الصالحين فيما صاروا به صالحين ، ولا يفهم منه المنع من متابعة سبيل غير الصالحين في كل شيء حتى الأكل والشرب .

                        والثاني : أن الآية نزلت في رجل ارتد ، وذلك يدل على أن الغرض منها المنع من الكفر .

                        سلمنا حظر اتباع غير سبيلهم مطلقا ، لكن لفظ السبيل حقيقة في الطريق الذي يحصل فيه المشي ، وهو غير مراد هنا بالاتفاق ، فصار الظاهر متروكا ، ولا بد من صرفه إلى المجاز ، وليس البعض أولى من البعض ، فتبقى الآية مجملة .

                        وأيضا : فإنه لا يمكن جعله مجازا عن اتفاق الأمة على الحكم ; لأنه لا مناسبة ألبتة بين الطريق المسلوك ، وبين اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على شيء من الأحكام ، وشرط حسن التجوز حصول المناسبة .

                        سلمنا أنه يجوز جعله مجازا عن ذلك الاتفاق ، لكن يجوز أيضا جعله مجازا عن الدليل ، الذي لأجله اتفقوا على ذلك الحكم ، فإنهم إذا أجمعوا على الشيء فإما أن [ ص: 242 ] يكون الإجماع عن استدلال أو لا عن استدلال ، فإن كان عن استدلال فقد حصل لهم سبيلان : الفتوى والاستدلال عليه ، فلم يكن حمل الآية على الفتوى أولى من حملها على الاستدلال ، بل هذا أولى ، فإن بين الدليل الذي يدل على ثبوت الحكم وبين الطريق الذي يحصل فيه المشي مشابهة ، فإنه كما أن الحركة البدنية في الطريق المسلوكة توصل البدن إلى المطلوب ، هكذا الحركة الذهنية في مقدمات ذلك الدليل موصلة للذهن إلى المطلوب ، والمشابهة إحدى جهات حسن المجاز .

                        وإذا كان كذلك كانت الآية تقتضي إيجاب اتباعهم في سلوك الطريق الذي لأجله اتفقوا على الحكم ، ويرجع حاصله إلى إيجاب الاستدلال بما استدلوا به على ذلك الحكم ، وحينئذ يخرج الإجماع عن كونه حجة .

                        وأما إن كان إجماعهم لا عن استدلال ، فالقول لا عن استدلال خطأ ، فيلزم إجماعهم على الخطأ ، وذلك يقدح في صحة الإجماع .

                        ثم قال : سلمنا دلالة الآية على وجوب المتابعة ; لكنها إما أن تدل على وجوب متابعة بعض المؤمنين أو كلهم ، الأول باطل ; لأن لفظ المؤمنين جمع فيفيد الاستغراق ; لأن إجماع البعض غير معتبر بالإجماع ، ولأن أقوال الفرق متناقضة ، والثاني مسلم ، ولكن كل المؤمنين هم الذين يوجدون إلى يوم القيامة ، فلا يكون الموجودون في العصر كل المؤمنين ، فلا يكون إجماعهم إجماع كل المؤمنين .

                        فإن قلت : المؤمنون هم المصدقون وهم الموجودون ، وأما الذين لم يوجدوا بعد فليسوا المؤمنين .

                        قلت : إذا وجد أهل العصر الثاني لا يصح القول بأن أهل العصر الأول هم كل المؤمنين ، فلا يكون إجماع أهل العصر الأول عند حضور أهل العصر الثاني قولا لكل المؤمنين ، فلا يكون إجماع أهل العصر الأول حجة على أهل العصر الثاني .

                        سلمنا أن أهل العصر هم كل المؤمنين لكن الآية إنما نزلت في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فتكون الآية مختصة بمؤمني ذلك الوقت ، وهذا يقتضي أن يكون إجماعهم حجة لكن التمسك بالإجماع إنما ينفع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فمهما لم يثبت أن الذين كانوا موجودين عند نزول هذه الآية بقوا بأسرهم [ ص: 243 ] إلى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنها اتفقت كلمتهم على الحكم الواحد ، لم تدل هذه الآية على صحة ذلك الإجماع ، ولكن ذلك غير معلوم في شيء من الاجتماعات الموجودة في المسائل ، بل المعلوم خلافه ; لأن كثيرا منهم مات زمان حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسقط الاستدلال بهذه الآية .

                        ثم قال : سلمنا دلالة الآية على كون الإجماع حجة ، لكن دلالة قطعية أم ظنية ، الأول ممنوع والثاني مسلم ، لكن المسألة قطعية ، فلا يجوز التمسك فيها بالأدلة الظنية .

                        قال : فإن قلت : إنا نجعل هذه المسألة ظنية ، قلت : إن أحدا من الأئمة لم يقل إن الإجماع المنعقد بصريح القول دليل ظني ، بل كلهم نفوا ذلك ، فإن منهم من نفى كونه دليلا أصلا ، ومنهم من جعله دليلا قاطعا ، فلو أثبتناه دليلا ظنيا ، لكان هذا تخطئة لكل الأمة ، وذلك يقدح في الإجماع .

                        والعجب من الفقهاء أنهم أثبتوا الإجماع بعمومات الآيات والأخبار ، وأجمعوا على أن المنكر لما تدل عليه العمومات لا يكفر ، ولا يفسق ، إذا كان ذلك الإنكار لتأويل ، ثم يقولون الحكم الذي دل عليه الإجماع مقطوع ، ومخالفه كافر وفاسق ، فكأنهم قد جعلوا الفرع أقوى من الأصل ، وذلك غفلة عظيمة .

                        سلمنا دلالة هذه الآية على أن الإجماع حجة ، لكنها معارضة بالكتاب والسنة والعقل :

                        أما الكتاب : فكل ما فيه منع لكل الأمة من القول بالباطل ، والفعل الباطل ، كقوله : وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، والنهي عن الشيء لا يجوز إلا إذا كان المنهي عنه متصورا .

                        وأما السنة فكثير منها : قصة معاذ ، فإنه لم يجر فيها ذكر الإجماع ، ولو كان ذلك مدركا شرعيا لما جاز الإخلال بذكره عند اشتداد الحاجة إليه ; لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقوم الساعة إلا على شرار أمتي [ ص: 244 ] ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسألوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : تعلموا الفرائض ، وعلموها الناس ، فإنها أول ما ينسى ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : من أشراط الساعة أن يرتفع العلم ويكثر الجهل .

                        [ ص: 245 ] وهذه الأحاديث بأسرها تدل على خلو الزمان عمن يقوم بالواجبات .

                        وأما المعقول فمن وجهين :

                        الأول : أن كل واحد من الأمة جاز الخطأ عليه ، فوجب جوازه على الكل ، كما أنه لما كان كل واحد من الزنج أسود ، كان الكل أسود .

                        الثاني : أن ذلك الإجماع إما أن يكون لدلالة أو لأمارة ، فإن كان لدلالة فالواقعة التي أجمع عليها كل علماء العالم تكون واقعة عظيمة ، ومثل هذه الواقعة مما تتوفر الدواعي على نقل الدليل القاطع الذي لأجله أجمعوا ، وكان ينبغي اشتهار تلك الدلالة ، وحينئذ لا يبقى في التمسك بالإجماع فائدة ، وإن كان لأمارة فهو محال ; لأن الأمارات يختلف حال الناس فيها ، فيستحيل اتفاق الخلق على مقتضاها ، ولأن في الأمة من لم يقل بقول الأمارة حجة ، فلا يمكن اتفاقهم لأجل الأمارة على الحكم ، وإن كان لا لدلالة ، ولا لأمارة ، كان ذلك خطأ بالإجماع ، فلو اتفقوا عليه لكانوا متفقين على الباطل ، وذلك قادح في الإجماع ، هذا كلام صاحب المحصول ، وقد أسقطنا منه ما فيه ضعف ، وما اشتمل على تعسف ، وفي الذي ذكرناه ما يحتمل المناقشة .

                        وقد أجاب عن هذا الذي ذكرناه عنه بجوابات متعسفة ، يستدعي ذكرها ذكر الجواب عليها منا ، فيطول البحث جدا ، ولكنك إذا عرفت ما قدمناه كما ينبغي ، علمت أن الآية لا تدل على مطلوب المستدلين بها .

                        ومن جملة ما استدلوا به قوله سبحانه : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس فأخبر سبحانه عن كون هذه الأمة وسطا ، والوسط من كل شيء خياره ، فيكون تعالى قد أخبر عن خيرية هذه الأمة ، فلو أقدموا على شيء من المحظورات لما اتصفوا بالخيرية ، وإذا ثبت أنهم لا يقدمون على شيء من المحظورات ، وجب أن يكون قولهم حجة .

                        لا يقال : الآية متروكة الظاهر ; لأن وصف الأمة بالعدالة يقتضي اتصاف كل واحد منهم بها ، وخلاف ذلك معلوم بالضرورة ، لأنا نقول يتعين تعديلهم فيما يجتمعون عليه ، [ ص: 246 ] وحينئذ تجب عصمتهم عن الخطأ قولا وفعلا . وهذا تقرير الاستدلال بهذه الآية .

                        وأجيب : بأن عدالة الرجل عبارة عن قيامه بأداء الواجبات ، واجتناب المقبحات ، وهذا من فعله ، وقد أخبر سبحانه أنه جعلهم وسطا فاقتضى ذلك أن كونهم وسطا من فعل الله ، وذلك يقتضي أن يكون غير عدالتهم التي ليست من فعل الله .

                        وأجيب أيضا بأن الوسط اسم لما يكون متوسطا بين شيئين ، فجعله حقيقة في العدل يقتضي الاشتراك ، وهو خلاف الأصل .

                        سلمنا أن الوسط من كل شيء خياره ، فلم قلتم : بأن خبر الله تعالى عن خيرية قوم يقتضي اجتنابهم لكل المحظورات ، ولم لا يقال : إنه يكفي فيه اجتنابهم للكبائر ، وأما الصغائر فلا ؟ وإذا كان كذلك فيحتمل أن الذي أجمعوا عليه وإن كان خطأ ، لكنه من الصغائر ، فلا يقدح ذلك في خيريتهم .

                        ومما يؤيد هذا أنه سبحانه حكم بكونهم عدولا ; ليكونوا شهداء على الناس ، وفعل الصغائر لا يمنع الشهادة .

                        سلمنا أن المراد اجتنابهم الصغائر والكبائر ، لكنه سبحانه قد بين أن اتصافهم بذلك ; ليكونوا شهداء على الناس ، ومعلوم أن هذه الشهادة إنما تكون في الآخرة ، فيلزم وجوب تحقق عدالتهم هنالك ; لأن عدالة الشهود إنما تعتبر حال الأداء ، لا حال التحمل .

                        سلمنا وجوب كونهم عدولا في الدنيا ، لكن المخاطب بهذا الخطاب هم الذين كانوا موجودين عند نزول الآية ، وإذا كان كذلك ، فهذا يقتضي عدالة أولئك دون غيرهم .

                        وقد أجيب عن هذا الجواب : بأن الله سبحانه عالم بالباطن والظاهر ، فلا يجوز أن يحكم بعدالة أحد إلا والمخبر عنه مطابق للخبر ، فلما أطلق الله سبحانه القول بعدالتهم ، وجب أن يكونوا عدولا في كل شيء ، بخلاف شهود الحاكم ، حيث تجوز شهادتهم ، وإن جازت عليهم الصغيرة ; لأنه لا سبيل للحاكم إلى معرفة الباطن ، فلا جرم اكتفى بالظاهر .

                        وقوله : الغرض من هذه العدالة أداء هذه الشهادة في الآخرة ، وذلك يوجب عدالتهم في الآخرة لا في الدنيا .

                        يقال : لو كان المراد صيرورتهم عدولا في الآخرة ، لقال سنجعلكم أمة وسطا ، ولأن جميع الأمم عدول في الآخرة ، فلا يبقى في الآية تخصيص لأمة محمد صلى [ ص: 247 ] الله عليه وسلم بهذه الفضيلة وكون الخطاب لمن كان موجودا عند نزول الآية ممنوع ، وإلا لزم اختصاص التكاليف الشرعية بمن كان موجودا عند النزول وهو باطل .

                        ولا يخفاك ما في هذه الأجوبة من الضعف ، وعلى كل حال فليس في الآية دلالة على محل النزاع أصلا ، فإن ثبوت كون أهل الإجماع بمجموعهم عدولا ، لا يستلزم أن يكون قولهم حجة شرعية تعم بها البلوى ، فإن ذلك أمر متروك إلى الشارع لا إلى غيره ، وغاية ما في الآية أن يكون قولهم مقبولا إذا أخبرونا عن شيء من الأشياء .

                        وأما كون اتفاقهم على أمر ديني يصير دينا ثابتا عليهم وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة ، فليس في الآية ما يدل على هذا ، ولا هي مسوقة لهذا المعنى ، ولا تقتضيه بمطابقة ، ولا تضمن ، ولا التزام .

                        ومن جملة ما استدلوا به قوله سبحانه كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتقرير الاستدلال بالآية : أنه سبحانه وصفهم بالخيرية المفسرة على طريق الاستدلال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

                        وهذه الخيرية توجب الحقيقة لما أجمعوا عليه ، وإلا كان ضلالا ، فماذا بعد الحق إلا الضلال .

                        وأيضا : لو أجمعوا على الخطأ لكانوا آمرين بالمنكر وناهين عن المعروف ، وهو خلاف المنصوص ، والتخصيص بالصحابة لا يناسب وروده في مقابلة أمم سائر الأنبياء .

                        وأجيب : بأن الآية مهجورة الظاهر ; لأنها تقتضي اتصاف كل واحد منهم بهذا الوصف ، والمعلوم خلافه ، ولو سلمنا ذلك لم نسلم أنهم يأمرون بكل معروف .

                        هكذا قيل في الجواب ، ولا يخفاك أن الآية لا دلالة لها على محل النزاع ألبتة ، فإن اتصافهم بكونهم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر لا يستلزم أن يكون قولهم حجة شرعية تصير دينا ثابتا على كل الأمة ، بل المراد أنهم يأمرون بما هو معروف في هذه الشريعة ، وينهون عما هو منكر فيها ، فالدليل على كون ذلك الشيء معروفا أو منكرا هو الكتاب أو السنة ، لا إجماعهم ، غاية ما في الباب : أن إجماعهم يصير قرينة على أن في الكتاب والسنة ما يدل على ما أجمعوا عليه ، وأما أنه دليل بنفسه فليس في هذه الآية ما يدل على ذلك .

                        ثم الظاهر أن المراد من الأمة هذه الأمة بأسرها ، لا أهل عصر من العصور ، بدليل مقابلتهم بسائر أمم الأنبياء ، فلا يتم الاستدلال بها على محل النزاع ، وهو إجماع [ ص: 248 ] المجتهدين في عصر من العصور .

                        ومن جملة ما استدلوا به من السنة ، ما أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : لن تجتمع أمتي على الضلالة .

                        وتقرير الاستدلال بهذا الحديث أن عمومه ينفي وجود الضلالة والخطأ ضلالة ، فلا يجوز الإجماع عليه ، فيكون ما أجمعوا عليه حقا .

                        وأخرج أبو داود عن أبي مالك الأشعري عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وأن لا تجتمعوا على ضلالة .

                        وأخرجه الترمذي عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : لا تجتمع أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار .

                        وأخرج ابن أبي عاصم عن أنس مرفوعا نحوه بدون قوله : ويد الله مع الجماعة الخ ويجاب عنه بمنع كون الخطأ المظنون ضلالة .

                        وأخرج البخاري ومسلم من حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون .

                        [ ص: 249 ] وأخرج نحوه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث ثوبان ، وأخرج نحوه مسلم أيضا من حديث عقبة بن عامر .

                        ويجاب عن ذلك بأن غاية ما فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن طائفة من أمته بأنهم يتمسكون بما هو الحق ، ويظهرون على غيرهم ، فأين هذا من محل النزاع ؟

                        ثم قد ورد تعيين هذا الأمر الذي يتمسكون به ويظهرون على غيرهم بسببه ، فأخرج مسلم من حديث عقبة مرفوعا لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون عن أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك ومن جملة ما استدلوا به حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وقد قدمنا أنه غير صحيح .

                        وأخرجه بنحو هذا اللفظ أحمد وأبو داود من حديث عمران بن حصين ، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا لزهير : لا يزال هذا الدين قائما تقاتل عنه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة .

                        ومن جملة ما استدلوا به حديث من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم في مستدركه من حديث أبي ذر ، وليس فيه إلا المنع من مفارقة الجماعة ، فأين هذا من محل النزاع ، وهو كون ما أجمعوا عليه حجة ثابتة شرعية ، لا يجوز مخالفتها إلى آخر الدهر وأي ملجئ إلى التمسك بالإجماع وجعله حجة شرعية وكتاب الله وسنة رسوله موجودان بين أظهرنا ، وقد وصف الله سبحانه كتابه بقوله : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ ص: 250 ] فلا يرجع في تبيين الأحكام إلا إليه ، وقوله سبحانه فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، والرد إلى الله الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول الرد إلى سنته .

                        والحاصل أنك إذا تدبرت ما ذكرناه في هذه المقامات ، وعرفت ذلك حق معرفته تبين لك ما هو الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة .

                        ولو سلمنا جميع ما ذكره القائلون بحجية الإجماع ، وإمكانه وإمكان العلم به ، فغاية ما يلزم من ذلك أن يكون ما أجمعوا عليه حقا ، ولا يلزم من كون الشيء حقا وجوب اتباعه ، كما قالوا : إن كل مجتهد مصيب ، ولا يجب على مجتهد آخر ، بل ولا يجب على المقلد اتباعه في ذلك الاجتهاد بخصوصه .

                        وإذا تقرر لك هذا علمت ما هو الصواب ، وسنذكر ما ذكره أهل العلم في مباحث الإجماع من غير تعرض لدفع ذلك اكتفاء بهذا الذي حررناه هنا .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية