الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب الإقرار بترك اليمين ) قال رحمه الله ( : رجل ادعى عبدا في يد رجل ، ولم يكن له بينة وطلب يمينه فنكل المدعى عليه عن اليمين فإنه يقضى بالعبد للمدعي ) ، وقد بينا هذا في كتاب الدعوى ( قال ) وهذا بمنزلة الإقرار ، وهو بناء على قولهما فإن النكول عندهما يدل على الإقرار ; لأن أصل حق المدعى عليه في الجواب وحقه في الجواب هو الإقرار ليتوصل إلى حقه ( ألا ترى ) أن القاضي يقول له ماذا تقول ، ولا يقول ماذا تفعل ، فإذا منعه ذلك الجواب ، فإنكاره حق إلى الشرع وحقه اليمين ، فإذا نكل يعاد إليه أصل حقه هو والإقرار سواء ، وعند أبي حنيفة رحمه الله بمنزلة البدل ; لأن به يتوصل المدعي إلى حقه مع بقاء المدعى عليه محقا في إنكاره فلا يجوز أن يجعله مبطلا في إنكاره من غير حجة وضرورة ، وقد بينا هذا الخلاف في مسألة الاستحلاف في النكاح ونظائره ، فإن أقر بعد ذلك أن العبد كان لآخر لم يصح إقراره ; لأنه صادف ملك الغير ولا ضمان عليه في ذلك ; لأنه ما أتلف شيئا ، ولكنه تحرز عن اليمين ودفع إلى الأول بأمر القاضي [ ص: 51 ] وقضاؤه لا يضمن للثاني شيئا

وإن أقر قبل أن يستحلف أن العبد لفلان الغائب لم تندفع عنه الخصومة بهذه المقالة ما لم يقم البينة وهي المسألة المخمسة التي ذكرناها في كتاب الدعوى ، فإن استحلف المدعى عليه فأبى أن يحلف دفعه إلى المدعي ، فإن جاء المقر له الأول كان له أن يأخذه من المقضي له ; لأنه أقر له بالملك قبل نكوله له للمدعي دون اتصال تصديقه بذلك الإقرار فكان له أن يأخذه كمن أقر بعين لغائب ، ثم أقر بها لحاضر وسلمه إياه ، ثم رجع الغائب فصدقه كان هو أولى بها ، ثم المدعي على حجته مع المقر له ، فإن أقام البينة وإلا استحلفه على داعوه ، ولو ادعى غصب العبد على ذي اليد فاستحلف فنكل فقضي له به ، ثم جاء مدع آخر به على الغاصب الذي كان العبد في يده وطلب منه فإنه يستحلف له أيضا ; لأنه بدعوى الغصب عليه يدعي ضمان القيمة في ذمته ، ولو أقر به لزمه ، فإذا أنكر استحلف له بخلاف ما إذا ادعى عليه ملكا مطلقا ; لأن دعوى الملك المطلق دعوى العين فلا تصح إلا على من في يده والعين ليست في يد المقضي عليه ، فأما دعوى الغصب فدعوى الفعل الموجب للضمان ، وهو صحيح سواء كان العبد في يده أو لم يكن . وكذلك هذا في الوديعة والعارية لأنه يدعي عليه فعلا موجبا للضمان فإن المودع والمستعير بالتسلم يصير ضامنا إلى رد الملك وجميع أصناف الملك في هذا سواء ما خلا العقار فإنه لا يضمن شيئا للثاني في قول أبي حنيفة رحمه الله ، وفي قول أبي يوسف رحمه الله الآخر ولا يمين له عليه ، وفي قوله الأول ، وهو قول محمد رحمه الله يتوجه عليه اليمين ويصير ضامنا إذا لم يحلف ، وهذا بناء على مسألة غصب العقار وهي معروفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية