الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فضيلة كظم الغيظ .

قال الله تعالى : والكاظمين الغيظ وذكر ذلك في معرض المدح وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كف غضبه كف الله عنه عذابه ، ومن اعتذر إلى ربه قبل الله عذره ، ومن خزن لسانه ستر الله عورته .

وقال صلى الله عليه وسلم : أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا عند القدرة .

وقال صلى الله عليه وسلم : من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه لأمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا وفي رواية ملأ الله قلبه أمنا ، وإيمانا .

وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله تعالى .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم : إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى .

وقال صلى الله عليه وسلم : ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد ، وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا .

وقال صلى الله عليه وسلم : من كظم غيظا ، وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق ، ويخيره من أي الحور شاء .

التالي السابق


(فضيلة كظم الغيظ)

(قال تعالى: والكاظمين الغيظ ) ، والكظم هو الكف لما يكف النفس، أو بالصفح، والمعنى: المتحملين الغيظ، والغيظ الغضب الكامن في القلب، (وذكر ذلك في معرض المدح) للمتقين من المؤمنين، وتمام الآية: والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كف غضبه كف الله عنه عذابه، ومن اعتذر إلى ربه قبل الله عذره، ومن خزن لسانه ستر الله عورته) رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث أنس، ورواه كذلك أبو يعلى، وابن شاهين، والخرائطي في مساوئ الأخلاق، والضياء المقدسي في المختار، وقال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب، واللفظ له بإسناد ضعيف، ولابن أبي الدنيا من حديث ابن عمر: من ملك غضبه، وقاه الله عذابه. الحديث .

وقد تقدم في آفات اللسان. ا ه .

قلت: حديث ابن عمر رواه ابن أبي الدنيا في كتابيه; الصمت، وذم الغضب، ولفظه: من كف لسانه ستر الله عورته، ومن ملك غضبه، وقاه الله عذابه، ومن اعتذر إلى ربه قبل الله عذره، (وقال صلى الله عليه وسلم: أشدكم من غلب نفسه) ، أي: ملكها وقهرها (عند الغضب) ، بأن لم يمكنها من العمل بغضبه، بل يجاهدها [ ص: 25 ] على ترك تنفيذه (وأحلمكم من عفا عند القدرة) ، وفي لفظ: بعد القدرة، أي: أثبتكم عقلا من عفا عمن جنى عليه بعد تمكينه منه .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث علي، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرفعون حجرا، فقال: ما هذا؟ قالوا: حجر الأشداء، فقال ذلك، وسنده ضعيف .

قال العراقي: وروى البيهقي في الشعب بالشطر الأول من رواية عبد الرحمن بن عجلان، مرسلا بإسناد جيد، وللبزار، والطبراني في مكارم الأخلاق، واللفظ له من حديث أنس: أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب.

وفيه عمران القطان، مختلف فيه .

(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظا) ، أي: رده ومنعه، (ولو شاء أن يمضيه) ، أي: ينفذه (أمضاه) نفذه (ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث ابن عمر، وفيه مسكين بن أبي سراج، تكلم فيه ابن حبان (وفي رواية) : من كتم غيظا، وهو يقدر على إنفاذه (ملأ الله قلبه أمنا، وإيمانا) .

رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة، وفيه من لم يسم، ورواه أبو داود من حديث رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبيه بزيادة: ومن ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر عليه تواضعا، كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله توجه الله تاج الملك.

ورواه بهذه الزيادة أيضا ابن أبي الدنيا، فقال: عن سويد بن وهب، عن أبيه، ورواه البغوي في معجم الصحابة، عن عبد الجليل الفلطيني، عن عمه، وأورده الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الجليل، وقال: قال البخاري: لا يتابع عليه. (وقال ابن عمر) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جرع عبد جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها) عبد (ابتغاء وجه الله - عز وجل -) في الأساس: كظم القربة: ملأها وشد رأسها، وكظم الباب: سده، ومن المجاز كظم الغيظ، وعلى الغيظ، قال الطيبي: يريد أنه استعارة من كظم القربة ، وقوله: من جرعة غيظ، استعارة أخرى كالترشيح لها، شبه جرع غيظه، ورده إلى باطنه بتجرع الماء، وهي أشد جرعة يتجرعها العبد، وأعظمها ثوابا، وأرفعها درجة كحبس نفسه عن التشفي .

قال العراقي: رواه ابن ماجه بإسناد جيد. ا ه .

قلت: وقال المنذري: رواته محتج بهم في الصحيح، ولفظه: ما من جرعة، ورواه أحمد بلفظ: ما تجرع عبد أفضل منه عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله - عز وجل -.

(وقال ابن عباس) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لجهنم بابا لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وقد تقدم في آفات اللسان، (وقال صلى الله عليه وسلم: ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ يكظمها عبد، وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه) ، وفي لفظ: جوفه (إيمانا) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث ابن عباس، وفيه ضعف، ويتلفق من حديث ابن عمر، وحديث الصحابي الذي لم يسم، وقد تقدما .

قاله العراقي.

قلت: ورواه أحمد بلفظ المصنف إلا أنه قال: ملأ الله جوفه نورا، وأما حديث الصحابي الذي لم يسم، فعند أبي داود: أمنا، وإيمانا، وحديث ابن عباس هذا مستقل، ودعوى التلفيق فيه نظر، وروى ابن المبارك في الزهد من حديث الحسن مرسلا: ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل، أو جرعة صبر على مصيبة، وما قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله، أو قطرة دم أريق في سبيل الله.

(وقال صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظا، وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق، ويخيره من أي الحور شاء) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وفي الصمت من حديث معاذ بن أنس، ورواه كذلك أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب، وابن ماجه، والطبراني، والبيهقي، وقد تقدم في آفات اللسان، ورواه أبو نعيم، وابن عساكر بزيادة في آخره: ومن ترك ثوب جمال، وهو قادر على لبسه كساه الله رداء الإيمان يوم القيامة، ومن أنكح عبد الله، وضع الله على رأسه تاج الملك يوم القيامة.




الخدمات العلمية