الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 623 ] بسم الله الرحمن الرحيم .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

كتاب الحجر .

والنظر في هذا الكتاب في ثلاثة أبواب :

الباب الأول : في أصناف المحجورين .

الثاني : متى يخرجون من الحجر ، ومتى يحجر عليهم ، وبأي شروط يخرجون ؟

الثالث : في معرفة أحكام أفعالهم في الرد ، والإجازة .

الباب الأول .

في أصناف المحجورين .

أجمع العلماء على وجوب الحجر على الأيتام الذين لم يبلغوا الحلم لقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ) الآية . واختلفوا في الحجر على العقلاء الكبار إذا ظهر منهم تبذير لأموالهم :

فذهب مالك ، والشافعي ، وأهل المدينة ، وكثير من أهل العراق إلى جواز ابتداء الحجر عليهم بحكم الحاكم ، وذلك إذا ثبت عنده سفههم وأعذر إليهم فلم يكن عندهم مدفع ، وهو رأي ابن عباس ، وابن الزبير .

وذهب أبو حنيفة ، وجماعة من أهل العراق إلى أنه لا يبتدأ الحجر على الكبار ، وهو قول إبراهيم ، وابن سيرين ، وهؤلاء انقسموا قسمين : فمنهم من قال : الحجر لا يجوز عليهم بعد البلوغ بحال ، وإن ظهر منهم التبذير . ومنهم من قال : إن استصحبوا التبذير من الصغر يستمر الحجر عليهم ، وإن ظهر منهم رشد بعد البلوغ ، ثم ظهر منهم سفه ، فهؤلاء لا يبدأ بالحجر عليهم . وأبو حنيفة يحد في ارتفاع الحجر ، وإن ظهر سفهه خمسة وعشرين عاما .

وعمدة من أوجب على الكبار ابتداء الحجر : أن الحجر على الصغار إنما وجب لمعنى التبذير الذي يوجد فيهم غالبا ، فوجب أن يجب الحجر على من وجد فيه هذا المعنى ، وإن لم يكن صغيرا ، قالوا : ولذلك اشترط في رفع الحجر عنهم مع ارتفاع الصغر إيناس الرشد ، قال الله تعالى : ( فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) ، فدل هذا على أن السبب المقتضي للحجر هو السفه .

وعمدة الحنفية : حديث حبان بن منقذ : " إذ ذكر فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع ، فجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثا ، ولم يحجر عليه " . وربما قالوا : الصغر هو المؤثر في منع التصرف بالمال ، بدليل تأثيره في إسقاط التكليف ، وإنما اعتبر الصغر; لأنه الذي يوجد فيه السفه غالبا ، كما يوجد نقص العقل غالبا; ولذلك جعل البلوغ علامة وجوب التكليف وعلامة الرشد ، إذ كانا يوجدان فيه غالبا ( أعني : العقل والرشد ) ، وكما لم يعتبر النادر في التكليف ( أعني : أن يكون قبل البلوغ عاقلا فيكلف; كذلك لم [ ص: 624 ] يعتبر النادر في السفه ، وهو أن يكون بعد البلوغ سفيها فيحجر عليه ، كما لو يعتبر كونه قبل البلوغ رشيدا . قالوا : وقوله تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ) الآية ، ليس فيها أكثر من منعهم من أموالهم ، وذلك لا يوجب فسخ بيوعها وإبطالها .

والمحجورن عند مالك ستة : الصغير ، والسفيه ، والعبد ، والمفلس ، والمريض ، والزوجة . وسيأتي ذكر كل واحد منهم في بابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية