الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب الإقرار بقبض شيء من ملك إنسان والاستثناء في الإقرار )

( قال رحمه الله ) : وإذا أقر أنه قبض من بيت فلان مائة درهم ، ثم قال هي لي أو قال هي لفلان آخر تلزمه لصاحب البيت ; لأن ما في بيت فلان في يده فإن أصل البيت في يده ويده الثابتة على مكان تكون ثابتة على ما فيه ( ألا ترى ) أنه لو نازعه إنسان في شيء من متاع بيته أو في زوجته وهي في بيته كان القول قوله باعتبار يده ويترجح بالبينة في الزوجة فإقراره بالقبض من بيته بمنزلة الإقرار بالقبض من يده فعليه أن يرده ما لم يثبت لنفسه حقا بالبينة ولا قول له فيما أقر به لغيره بعد أن صار مستحقا لصاحب البيت ، فإن زعم أنه لآخر وأنه قبضه منه ضمن له مثله لأن إقراره صحيح وقبضه مال الغير موجب للضمان عليه ما لم يرده بمنزلة قوله غصبته منه أو أخذته ، وقال الشافعي رحمه الله إقراره بالقبض من الغير لا يكون موجبا للضمان بخلاف إقراره بالأخذ والغصب ; لأن لفظ الأخذ يطلق على قبض بغير حق ولفظ القبض يطلق على قبض بحق كقبض المبيع ونحوه ، وهذا ليس بصحيح فإن لفظ الأخذ قد يطلق على ما يكون بحق قال الله تعالى { فخذها بقوة } ، وقال الله تعالى { فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } ومع ذلك كان الإقرار به موجبا للضمان عليه فكذلك في لفظة القبض .

وكذلك لو قال قبضت من صندوق فلان ألف درهم أو من كيس فلان أو من سفط فلان ثوبا أو من قرية فلان كر حنطة أو من نخل فلان كر تمر أو من زرع فلان كر حنطة فهذا كله إقرار بالقبض من يده أو جعل المقبوض جزءا من ملكه فيكون مقرا بالملك . وكذلك لو قال قبضت من أرض فلان عدل زطي فإنه يقضي بالزطي لصاحب الأرض ; لأن ما في أرضه في يده ، ثم المقر بما بين يدعي [ ص: 74 ] لنفسه يدا في أرضه ، ولم يعرف سبب ذلك فلا يثبت بمجرد دعواه ، وإذا لم يثبت ما ادعى بقي إقراره بالقبض من يده فعليه رده ، وعلى هذا لو قال أخذت من دار فلان مائة درهم ، ثم قال كنت فيها ساكنا أو كانت معي بإجارة لم يصدق ; لأنه مدع فيما ذكره من سبب ثبوت يده في الدار فلا يصدق في ذلك إلا بحجة ، فإن جاء بالبينة أنها كانت في يده بإجارة وأنه نزل أرض فلان أبرأته من ذلك ; لأنه أثبت سبب ثبوت يده في المكان بالحجة ، ولأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فلو علم كون الدار في يده بإجارة أو كونه نازلا في أرض وعايناه أنه أخلاها متاعا كان ذلك القول قوله في أن هذا ملكه فكذلك إذا أثبت بالبينة دارا في يد رجل فأقر أنها لفلان إلا بيتا معلوما فإنه لي فهو على ما قال ; لأن الكلام إذا قرن به الاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثنى فكأنه قال هذه الدار ما سوى هذا البيت من الدار لفلان ، وهذا لأن اسم الدار يتناول ما فيها من البيوت والمستثنى إذا كان مما يتناوله لفظه كان استثناؤه صحيحا ; لأن عمل الاستثناء في إخراج ما يتناوله لولاه لكان الكلام متناولا له . وكذلك لو قال إلا ثلثها لي أو قال إلا تسعة أعشارها لما بينا أن الاستثناء صحيح إذا كان يبقى بعد المستثنى شيء قل ذلك أو كثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية