الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1604 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا [135]

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط أي: مقتضى إيمانكم المبالغة والاجتهاد في القيام بالعدل والاستقامة؛ إذ به انتظام أمر الدارين الموجب لثوابهما، ومن أشده القيام بالشهادة على وجهها، فكونوا: شهداء لله أي: مقيمين للشهادة بالحق، مؤدين لها لوجهه تعالى ولو كانت الشهادة على أنفسكم فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق عليها ولا تكتموه أو على الوالدين أي: الأصول والأقربين أي: الأولاد والإخوة وغيرهم، فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد.

                                                                                                                                                                                                                                      إن يكن أي: من تشهدون عليه غنيا يبتغى في العادة رضاه ويتقى سخطه أو فقيرا يترحم عليه غالبا، أو يخاف من الشهادة عليه أن يلجأ الأمر إلى أن يعطى ما يكفيه فالله أولى بهما أي: من المشهود عليه، وأعلم بما فيه صلاحهما، فلولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها؛ لأنه أنظر لعباده من كل ناظر.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا أي: إرادة العدول عن أمر الله الذي هو مصلح أموركم، وأمور المشهود عليهم، لو نظرتم ونظروا إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن كثير : أي: لا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في شؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة: 8].

                                                                                                                                                                                                                                      ومن هذا قول [ ص: 1605 ] عبد الله بن رواحة لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم، فقال: والله! لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن تلووا أي: تحرفوا ألسنتكم عن الشهادة على وجهها أو تعرضوا أي: عنها بكتمها فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم على ذلك. قال تعالى: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [البقرة: 283].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية