الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث الرابع : ما ينعقد به الإجماع

                        اختلفوا فيما ينعقد به الإجماع

                        فقال جماعة : لا بد من مستند ; لأن أهل الإجماع ليس لهم الاستقلال بإثبات الأحكام ، فوجب أن يكون عن مستند ، ولأنه لو انعقد عن غير مستند لاقتضى إثبات شرع بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو باطل .

                        وحكى عبد الجبار عن قوم ، أنه يجوز أن يكون عن غير مستند ، وذلك بأن يوفقهم الله [ ص: 252 ] لاختيار الصواب من دون مستند ، وهو ضعيف ; لأن القول في دين الله لا يجوز بغير دليل .

                        وذكر الآمدي أن الخلاف في الجواز لا في الوقوع ، ورد عليه بأن ظاهر الخلاف في الوقوع ، قال الصيرفي : ويستحيل أن يقع الإجماع بالتواطؤ ، ولهذا كانت الصحابة لا يرضى بعضهم من بعض بذلك ، بل يتباحثون حتى أحوج بعضهم القول في الخلاف إلى المباهلة ، فثبت أن الإجماع لا يقع منهم إلا عن دليل .

                        وجعل الماوردي والروياني أصل الخلاف : هل الإلهام دليل أم لا ؟ وقد اتفق القائلون بأنه لا بد له من مستند ، إذا كان عن دلالة ، واختلفوا فيما إذا كان عن أمارة ، فقيل بالجواز مطلقا سواء كانت الأمارة جلية ، أو خفية .

                        قال الزركشي في البحر ونص عليه الشافعي ، فجوز الإجماع عن قياس ، وهو قول الجمهور ، قال الروياني : وبه قال عامة أصحابنا ، وهو المذهب ، قال ابن القطان : لا خلاف بين أصحابنا في جواز وقوع الإجماع عنه في قياس المعنى على المعنى ، وأما قياس الشبه فاختلفوا فيه على وجهين ، وإذا وقع عن الأمارة وهي المفيد للظن وجب أن يكون الظن صوابا للدليل على العصمة .

                        والثاني : المنع مطلقا ، وبه قال الظاهرية ومحمد بن جرير الطبري ، فالظاهرية منعوه ; لأجل إنكارهم القياس ، وأما ابن جرير فقال : القياس حجة ، ولكن الإجماع إذا صدر عنه لم يكن مقطوعا بصحته ، واحتج ابن القطان على ابن جرير بأنه قد وافق على وقوعه عن خبر الواحد ، وهم مختلفون فيه ، فكذلك القياس .

                        ويجاب عنه : بأن خبر الواحد قد أجمعت عليه الصحابة ، بخلاف القياس .

                        والمذهب الثالث : التفصيل بين كون الأمارة جلية ، فيجوز انعقاد الإجماع عنها ، أو خفية فلا يجوز ، حكاه ابن الصباغ عن بعض الشافعية .

                        والمذهب الرابع : أنه لا يجوز الإجماع إلا عن أمارة ، ولا يجوز عن دلالة للاستغناء بها عنه حكاه السمرقندي في الميزان عن مشايخهم ، وهو قادح فيما نقله البعض من الإجماع على جواز انعقاد الإجماع عن دلالة .

                        [ ص: 253 ] ثم اختلف القائلون بجواز انعقاد الإجماع عن غير دليل ، هل يكون حجة .

                        فذهب الجمهور إلى أنه حجة .

                        وحكى ابن فورك وعبد الوهاب وسليم الرازي عن قوم منهم أنه لا يكون حجة .

                        ثم اختلفوا : هل يجب على المجتهد أن يبحث عن مستند الإجماع أم لا ؟

                        فقال الأستاذ أبو إسحاق : لا يجب على المجتهد طلب الدليل الذي وقع الإجماع به ، فإن ظهر له ذلك أو نقل إليه ، كان أحد أدلة المسألة .

                        قال أبو الحسن السهيلي : إذا أجمعوا على حكم ولم يعلم أنهم أجمعوا عليه من دلالة آية أو قياس أو غيره يجب المصير إليه ; لأنهم لا يجمعون إلا من دلالة ، ولا يجب معرفتها .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية