الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        239 - الحديث الأول : عن عبد الله بن حنين { أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء . فقال ابن عباس : يغسل المحرم رأسه . وقال المسور : لا يغسل رأسه . قال : فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه . فوجدته يغتسل بين القرنين ، وهو يستر بثوب . فسلمت عليه . فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا عبد الله بن حنين ، أرسلني إليك ابن عباس ، يسألك : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب ، فطأطأه ، حتى بدا لي رأسه . ثم قال لإنسان يصب عليه الماء : اصبب ، فصب على رأسه . ثم [ ص: 468 ] حرك رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر . ثم قال : هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يغتسل } .

                                        وفي رواية " فقال المسور لابن عباس : لا أماريك أبدا " .

                                        التالي السابق


                                        " القرنان " العمودان اللذان تشد فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة " الأبواء " بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة والمد : موضع معين بين مكة والمدينة .

                                        وفي الحديث دليل على جواز المناظرة في مسائل الاجتهاد ، والاختلاف فيها إذا غلب على ظن المختلفين فيها حكم . وفيه دليل على الرجوع إلى من يظن به أن عنده علما فيما اختلف فيه .

                                        وفيه دليل على قبول خبر الواحد ، وأن العمل به سائغ شائع بين الصحابة ; لأن ابن عباس أرسل عبد الله بن حنين ليستعلم له علم المسألة ، ومن ضرورته : قبول خبره عن أبي أيوب فيما أرسل فيه . و " القرنان " فسرهما المصنف .



                                        وفيه دليل على التستر عند الغسل ، وفيه دليل على جواز الاستعانة في الطهارة . لقول أبي أيوب " اصبب " وقد ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وورد في تركها شيء لا يقابلها في الصحة .

                                        وفيه دليل على جواز السلام على المتطهر في حال طهارته ، بخلاف من هو على الحدث . وفيه دليل على جواز الكلام في أثناء الطهارة .

                                        وفيه دليل على تحريك اليد على الرأس في غسل المحرم إذا لم يؤد إلى نتف الشعر .

                                        وقوله " أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه ؟ " يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل . فإن السؤال عن كيفية الشيء : إنما يكون بعد العلم بأصله . وفيه دليل على أن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز ، إذ لم يسأل عنه ، وإنما سأل عن كيفية غسل الرأس . ويحتمل أن يكون ذلك ; لأنه موضع الإشكال في المسألة . إذ الشعر عليه ، وتحريك اليد فيه [ ص: 469 ] يخاف منه نتف الشعر .



                                        وفيه دليل على جواز غسل المحرم ، وقد أجمع عليه إذا كان جنبا ، أو كانت المرأة حائضا ، فطهرت . وبالجملة الأغسال الواجبة . وأما إذا كان تبردا من غير وجوب ، فقد اختلفوا فيه . فالشافعي يجيزه . وزاد أصحابه ، فقالوا : له أن يغسل رأسه بالسدر والخطمي . ولا فدية عليه . وقال مالك وأبو حنيفة : عليه الفدية . أعني غسل رأسه بالخطمي وما في معناه . فإن استدل بالحديث على هذا المختلف فيه فلا يقوى ; لأن المذكور حكاية حال ، لا عموم لفظ . وحكاية الحال تحتمل أن تكون هي المختلف فيها . وتحتمل أن لا . ومع الاحتمال لا تقوم حجة .




                                        الخدمات العلمية