الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950388nindex.php?page=treesubj&link=27140من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم .
هذا الحديث خرجاه من طرق عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وفي بعض ألفاظها : " فلا يؤذي جاره " وفي بعض ألفاظها : " فليحسن قرى ضيفه " وفي بعضها : " فليصل رحمه " بدل ذكر الجار .
وخرجاه أيضا بمعناه من حديث أبي شريح الخزاعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، [ ص: 333 ] وعبد الله بن عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=50وأبي أيوب الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهم من الصحابة .
فقوله صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950448من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فليفعل كذا وكذا ، يدل على أن هذه الخصال من خصال الإيمان ، وقد سبق أن الأعمال تدخل في الإيمان ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالصبر والسماحة ، قال الحسن : المراد : الصبر عن المعاصي ، والسماحة بالطاعة .
وأعمال الإيمان تارة تتعلق بحقوق الله ، كأداء الواجبات وترك المحرمات ، ومن ذلك قول الخير ، والصمت عن غيره .
وتارة تتعلق بحقوق عباده كإكرام الضيف ، وإكرام الجار ، والكف عن أذاه ، فهذه ثلاثة أشياء يؤمر بها المؤمن : أحدهما قول الخير والصمت عما سواه ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث أسود بن أصرم المحاربي ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950449قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : " هل تملك لسانك ؟ " قلت : ما أملك إذا لم أملك لساني ؟ قال : " فهل تملك يدك ؟ " قلت : فما أملك إذا لم أملك يدي ؟ قال : " فلا تقل بلسانك إلا معروفا ، ولا تبسط يدك إلا إلى خير " . [ ص: 334 ] وقد ورد أن nindex.php?page=treesubj&link=27140استقامة اللسان من خصال الإيمان ، كما في " المسند " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950287لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950450لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950451إنك لن تزال سالما ما سكت ، فإذا تكلمت ، كتب لك أو عليك . وفي " مسند " nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950452من صمت نجا .
وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950453إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها ، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950454إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار . [ ص: 335 ] وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950455إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث سليمان بن سحيم ، عن أمه ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950456إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيتكلم بالكلمة ، فيتباعد بها أبعد من صنعاء " .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث بلال بن الحارث قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=950457إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه .
وقد ذكرنا فيما سبق حديث أم حبيبة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950395كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وذكر الله عز وجل .
فقوله صلى الله عليه وسلم : فليقل خيرا أو ليصمت أمر بقول الخير ، وبالصمت عما عداه ، وهذا يدل على أنه ليس هناك كلام يستوي قوله والصمت عنه ، بل إما [ ص: 336 ] أن يكون خيرا ، فيكون مأمورا بقوله ، وإما أن يكون غير خير ، فيكون مأمورا بالصمت عنه ، وحديث معاذ nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة يدلان على هذا .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : nindex.php?page=hadith&LINKID=950458يا معاذ ثكلتك أمك وهل تقول شيئا إلا وهو لك أو عليك .
وروي من حديث حذيفة مرفوعا : " إن عن يمينه كاتب الحسنات " .
واختلفوا : nindex.php?page=treesubj&link=29655_30497هل يكتب كل ما يتكلم به ، أو لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب ؟ على قولين مشهورين . وقال علي بن أبي طلحة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يكتب كل ما [ ص: 337 ] تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله : أكلت وشربت ذهبت وجئت ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر ما كان فيه من خير أو شر ، وألقى سائره ، فذلك قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [ الرعد : 39 ] .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، قال : ركب رجل الحمار ، فعثر به ، فقال : تعس الحمار ، فقال صاحب اليمين : ما هي حسنة أكتبها ، وقال صاحب الشمال : ما هي سيئة فأكتبها ، فأوحى الله إلى صاحب الشمال : ما ترك صاحب اليمين من شيء ، فاكتبه ، فأثبت في السيئات " تعس الحمار " .
وظاهر هذا أن ما ليس بحسنة ، فهو سيئة ، وإن كان لا يعاقب عليها ، فإن بعض السيئات قد لا يعاقب عليها ، وقد تقع مكفرة باجتناب الكبائر ، ولكن زمانها قد خسره صاحبها حيث ذهبت باطلا ، فيحصل له بذلك حسرة في القيامة وأسف عليه ، وهو نوع عقوبة .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950461ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ، وكان لهم حسرة .
وخرجه الترمذي ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=950462ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم [ ص: 338 ] يصلوا على نبيهم ، إلا كان عليهم ترة ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم .
وفي رواية لأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي : nindex.php?page=hadith&LINKID=950463من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ، ومن اضطجع مضطجعا لم يذكر الله فيه ، كانت عليه من الله ترة زاد nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : nindex.php?page=hadith&LINKID=950464ومن قام مقاما لم يذكر الله فيه ، كانت عليه من الله ترة وخرج أيضا من حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950465ما من قوم يجلسون مجلسا لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة ، وإن دخلوا الجنة .
وقال مجاهد : ما جلس قوم مجلسا ، فتفرقوا قبل أن يذكروا الله ، إلا تفرقوا عن أنتن من ريح الجيفة ، وكان مجلسهم يشهد عليهم بغفلتهم ، وما جلس قوم مجلسا ، فذكروا الله قبل أن يتفرقوا ، إلا أن يتفرقوا عن أطيب من ريح المسك ، وكان مجلسهم يشهد لهم بذكرهم .
وقال بعض السلف : يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره ، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث عائشة مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950466ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها بخير ، إلا حسر عندها يوم القيامة " .
[ ص: 339 ] فمن هنا يعلم أن ما ليس بخير من الكلام ، فالسكوت عنه أفضل من التكلم به ، اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة مما لابد منه . وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : إياكم وفضول الكلام ، حسب امرئ ما بلغ حاجته . وعن النخعي قال : يهلك الناس في فضول المال والكلام .
وأيضا قال فإن nindex.php?page=treesubj&link=19137_19136الإكثار من الكلام الذي لا حاجة إليه يوجب قساوة القلب كما في " الترمذي " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950467لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب ، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي " .
وقال عمر : من كثر كلامه ، كثر سقطه ، ومن كثر سقطه ، كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه ، كانت النار أولى به وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر [ ص: 340 ] مرفوعا بإسناد ضعيف .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان : إنما الكلام أربعة : أن تذكر الله ، وتقرأ القرآن ، وتسأل عن علم فتخبر به ، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك .
وقال رجل لسلمان : أوصني ، قال : لا تكلم ، قال : ما يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم ، قال : فإن تكلمت ، فتكلم بحق أو اسكت .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويقول : هذا أوردني الموارد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : والله الذي لا إله إلا هو ، ما على الأرض أحق بطول سجن من اللسان وقال وهب بن منبه : أجمعت الحكماء على أن رأس الحكم الصمت .
وقال شميط بن عجلان : يا ابن آدم ، إنك ما سكت ، فأنت سالم ، فإذا تكلمت ، فخذ حذرك ، إما لك وإما عليك وهذا باب يطول استقصاؤه .
والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكلام بالخير ، والسكوت عما ليس بخير ، وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب أن nindex.php?page=hadith&LINKID=950468رجلا قال : يا رسول الله ، علمني عملا يدخلني الجنة ، فذكر الحديث وفيه قال : فأطعم الجائع ، [ ص: 341 ] واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك ، فكف لسانك إلا من خير .
فليس الكلام مأمورا به على الإطلاق ، ولا السكوت كذلك ، بل لابد من الكلام بالخير والسكوت عن الشر ، وكان السلف كثيرا يمدحون الصمت عن الشر ، وعما لا يعني لشدته على النفس ، وذلك يقع فيه الناس كثيرا ، فكانوا يعالجون أنفسهم ، ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان ، ولو أصبحت يهمك لسانك ، أصبحت في غم شديد ، وقال : سجن اللسان سجن المؤمن ، ولو أصبحت يهمك لسانك ، أصبحت في غم شديد .
وسئل nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن قول لقمان لابنه : إن كان الكلام من فضة ، فإن الصمت من ذهب ، فقال : معناه : لو كان الكلام بطاعة الله من فضة ، فإن الصمت عن معصية الله من ذهب . وهذا يرجع إلى أن الكف عن المعاصي أفضل من عمل الطاعات ، وقد سبق القول في هذا مستوفى .
وتذاكروا عند nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، أيهما أفضل الصمت أو النطق ؟ فقال قوم : الصمت أفضل ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف : النطق أفضل ، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه ، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه .
وقال رجل من العلماء عند nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رحمه الله : الصامت على علم كالمتكلم على علم ، فقال عمر : إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم [ ص: 342 ] أفضلهما يوم القيامة حالا ، وذلك أن منفعته للناس ، وهذا صمته لنفسه ، فقال له : يا أمير المؤمنين وكيف بفتنة النطق ؟ فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا .
ولقد خطب nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يوما فرق الناس ، وبكوا ، فقطع خطبته ، فقيل له : لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به ، فقال عمر : إن القول فتنة والفعل أولى بالمؤمن من القول .
وكنت من مدة طويلة قد رأيت في المنام أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وسمعته يتكلم في هذه المسألة ، وأظن أني فاوضته فيها وفهمت من كلامه أن التكلم بالخير أفضل من السكوت ، وأظن أنه وقع في أثناء الكلام ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك ، وأن عمر قال ذلك له ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك أنه قال : الصمت منام العقل ، والنطق يقظته ، ولا يتم حال إلا بحال ، يعني : لابد من الصمت والكلام .
وما أحسن ما قال nindex.php?page=showalam&ids=16519عبيد الله بن أبي جعفر فقيه أهل مصر في وقته ، وكان أحد الحكماء : إذا كان المرء يحدث في مجلس ، فأعجبه الحديث فليسكت ، وإن كان ساكتا ، فأعجبه السكوت ، فليحدث ، وهذا حسن فإن من كان كذلك ، كان سكوته وحديثه لمخالفة هواه وإعجابه بنفسه ، ومن كان كذلك ، كان جديرا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته ، لأن كلامه وسكوته يكون لله عز وجل .
وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " علامة الطهر أن يكون قلب العبد عندي معلقا ، فإذا كان كذلك ، لم ينسني على حال ، وإذ كان كذلك ، مننت عليه بالاشتغال بي كي لا ينساني ، فإذا نسيني ، حركت قلبه ، فإن تكلم تكلم لي ، وإن سكت ، سكت لي ، فذلك الذي تأتيه المعونة من عندي " خرجه إبراهيم بن الجنيد .
[ ص: 343 ] وبكل حال ، فالتزام الصمت مطلقا ، واعتقاده قربة إما مطلقا ، أو في بعض العبادات ، كالحج والاعتكاف والصيام منهي عنه وروي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن nindex.php?page=treesubj&link=26651صيام الصمت . وخرج الإسماعيلي من حديث علي قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصمت في العكوف ، وفي " سنن أبي داود " من حديث علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950471لا صمات يوم إلى الليل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه لامرأة حجت مصمتة : إن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين زين العابدين أنه قال : صوم الصمت حرام .
الثاني مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المؤمنين إكرام الجار ، وفي بعض الروايات : "nindex.php?page=treesubj&link=18120_18122_18123النهي عن أذى الجار " فأما أذى الجار ، فمحرم فإن الأذى بغير حق محرم لكل أحد ، ولكن في حق الجار هو أشد تحريما ، وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه nindex.php?page=hadith&LINKID=950472سئل : nindex.php?page=treesubj&link=30523أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك قيل : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قيل : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك وفي " مسند [ ص: 344 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد " ، عن nindex.php?page=showalam&ids=53المقداد بن الأسود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950473ما تقولون في الزنا ؟ قالوا : حرام حرمه الله ورسوله ، فهو حرام إلى يوم القيامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره ، قال : فما تقولون في السرقة ؟ قالوا : حرام حرمها الله ورسوله ، فهي حرام ، قال : لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره .
وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " ، عن أبي شريح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950474والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من لا يأمن جاره بوائقه ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وفي " صحيح مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950475لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، والحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950476قيل : يا رسول الله إن فلانة تصلي بالليل ، وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها سليطة ، قال : لا خير فيها ، هي في النار nindex.php?page=hadith&LINKID=950477وقيل له : إن فلانة تصلي المكتوبة ، وتصوم رمضان ، وتتصدق بالأثوار ، وليس لها شيء غيره ، ولا تؤذي أحدا ، قال : هي في الجنة ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950478ولا تؤذي بلسانها جيرانها " .
[ ص: 345 ] وخرج الحاكم من حديث أبي جحيفة قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950479جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره ، فقال له : اطرح متاعك في الطريق قال : فجعل الناس يمرون به فيلعنونه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما لقيت من الناس ، قال : وما لقيت منهم ؟ قال يلعنوني ، قال : فقد لعنك الله قبل الناس قال : يا رسول الله ، فإني لا أعود . وخرجه أبو داود بمعناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ولم يذكر فيه : " فقد لعنك الله قبل الناس " .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، قالت : دخلت شاة لجارة لنا ، فأخذت قرصة لنا ، فقمت إليها فأجتذبتها من بين لحييها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لا قليل من أذى الجار .
الثاني : من هو ضعيف محتاج إلى الإحسان وهو نوعان : من هو محتاج لضعف بدنه ، وهو اليتيم ، ومن هو محتاج لقلة ماله ، وهو المسكين .
والثالث : من له حق القرب والمخالطة ، وجعلهم ثلاثة أنواع : جار ذو قربى ، وجار جنب ، وصاحب بالجنب .
وقد اختلف المفسرون في تأويل ذلك ، فمنهم من قال : الجار ذو القربى : الجار الذي له قرابة ، والجار الجنب : الأجنبي ، ومنهم من أدخل المرأة في الجار ذي القربى ، ومنهم من أدخلها في الجار الجنب ، ومنهم من أدخل الرفيق في السفر في الجار الجنب ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : nindex.php?page=hadith&LINKID=950481أعوذ بك من جار السوء في دار الإقامة ، فإن جار البادية يتحول .
ومنهم من قال : الجار ذو القربى : الجار المسلم ، والجار الجنب : الكافر ، وفي " مسند البزار " من حديث جابر مرفوعا : " الجيران ثلاثة : nindex.php?page=treesubj&link=18118جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقا ، nindex.php?page=treesubj&link=18115_18116وجار له حقان ، nindex.php?page=treesubj&link=18111_18112_18113وجار له ثلاثة حقوق ، وهو أفضل الجيران حقا ، فأما الذي له حق واحد ، فجار مشرك ، لا رحم له ، له حق الجوار ، وأما [ ص: 347 ] الذي له حقان ، فجار مسلم ، له حق الإسلام وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاثة حقوق ، فجار مسلم ذو رحم ، فله حق الإسلام ، وحق الجوار ، وحق الرحم " ، وقد روي هذا الحديث من وجوه أخرى متصلة ومرسلة ، ولا تخلو كلها من مقال .
وقيل : الجار ذو القربى : هو القريب الجوار الملاصق ، والجار الجنب : البعيد الجوار .
وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " nindex.php?page=hadith&LINKID=950482عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : إلى أقربهما بابا .
وقال طائفة من السلف : nindex.php?page=treesubj&link=18126حد الجوار أربعون دارا ، وقيل : مستدار أربعين دارا من كل جانب .
وفي مراسيل nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جارا له ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن ينادي : " ألا إن أربعين دارا جار " وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، يعني ما بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله .
[ ص: 348 ] وسئل nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عمن يطبخ قدرا وهو في دار السبيل ، ومعه في الدار نحو ثلاثين أو أربعين نفسا : يعني أنهم سكان معه في الدار ، فقال : يبدأ بنفسه ، وبمن يعول ، فإن فضل فضل ، أعطي الأقرب إليه ، وكيف يمكنه أن يعطيهم كلهم ؟ قيل له : لعل الذي هو جاره يتهاون بذلك القدر ليس له عنده موقع ؟ فرأى أنه لا يبعث إليه .
وأما الصاحب بالجنب ، ففسره طائفة بالزوجة ، وفسره طائفة منهم nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بالرفيق في السفر ، ولم يريدوا إخراج الصاحب الملازم في الحضر وإنما أرادوا أن صحبة السفر تكفي ، فالصحبة الدائمة في الحضر أولى ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : هو جليسك في الحضر ، ورفيقك في السفر ، وقال ابن زيد : هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه .
وفي " المسند " nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950484خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره .
الرابع : من هو وارد على الإنسان ، غير مقيم عنده ، وهو ابن السبيل ، يعني المسافر إذا ورد إلى بلد آخر ، وفسره بعضهم بالضيف : يعني به ابن السبيل إذا نزل ضيفا على أحد .
والخامس : ملك اليمين ، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بهم كثيرا وأمر بالإحسان [ ص: 349 ] إليهم ، وروي أن آخر ما وصى به عند موته : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950485الصلاة وما ملكت أيمانكم " ، وأدخل بعض السلف في هذه الآية : ما يملكه الإنسان من الحيوانات والبهائم .
ولنرجع إلى شرح حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة في إكرام الجار ، وفي " الصحيحين " عن عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950486ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .
nindex.php?page=treesubj&link=32660فمن أنواع الإحسان إلى الجار مواساته عند حاجته ، وفي " المسند " عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950487لا يشبع المؤمن دون جاره وخرج الحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950142ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع وفي رواية أخرى عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما آمن من بات شبعانا وجاره طاويا .
وفي " المسند " عن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950489أول خصمين يوم [ ص: 350 ] القيامة جاران .
وفي كتاب " الأدب " nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة ، فيقول : يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه " .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي وغيره بإسناد ضعيف من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله ، فليس ذلك بمؤمن ، وليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه . أتدري ما حق الجار ؟ إذا استعانك أعنته ، وإذا استقرضك أقرضته ، وإذا افتقر ، عدت عليه ، وإذا مرض عدته ، وإذا أصابه خير هنأته ، وإذا أصابته مصيبة عزيته ، وإذا مات اتبعت جنازته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ، وإن اشتريت فاكهة ، فاهد له ، فإن لم تفعل ، فأدخلها سرا ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده " [ ص: 351 ] ورفع هذا الكلام منكر ، ولعله من تفسير nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني .
وقد روي أيضا عن عطاء ، عن الحسن ، عن جابر مرفوعا : " أدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن تقدح له منها " .
وفي " صحيح مسلم " عن أبي ذر قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950492أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم إذا طبخت مرقا ، فأكثر ماءه ، ثم انظر إلى أهل بيت جيرانك ، فأصبهم منها بمعروف " .
وفي رواية أن nindex.php?page=hadith&LINKID=950493النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا ذر إذا طبخت مرقة ، فأكثر ماءها ، وتعاهد جيرانك " .
وفي " المسند " nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=950494عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ذبح شاة ، فقال : هل أهديتم منها لجارنا اليهودي ثلاث مرات ، ثم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ما زال جبريل يوصيني بالجار ظننت أنه سيورثه " .
وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950495لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبه في جداره ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين ، [ ص: 352 ] والله لأرمين بها بين أكتافكم .
ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أن nindex.php?page=treesubj&link=23367_23368الجار يلزمه أن يمكن جاره من وضع خشبه على جداره إذا احتاج الجار إلى ذلك ولم يضر بجداره ، لهذا الحديث الصحيح ، وظاهر كلامه أنه يجب عليه أن يواسيه من فضل ما عنده بما لا يضر به إذا علم حاجته قال المروزي : قلت لأبي عبد الله : إني أسمع السائل في الطريق يقول : إني جائع ، فقال : قد يصدق وقد يكذب . قلت : فإذا كان لي جار أعلم أنه يجوع ؟ قال : تواسيه ، قلت : إذا كان قوتي رغيفين ؟ قال : تطعمه شيئا ، ثم قال : الذي جاء في الحديث إنما هو الجار .
وقال المروزي : قلت لأبي عبد الله : الأغنياء يجب عليهم المواساة ؟ قال : إذا كان قوم يضعون شيئا على شيء كيف لا يجب عليهم ، قلت : إذا كان للرجل قميصان ، أو قلت : جبتان ، يجب عليه المواساة ؟ قال : إذا كان يحتاج إلى أن يكون فضلا .
وهذا نص منه في وجوب المواساة من الفاضل ، ولم يخصه بالجار ، ونصه الأول يقتضي اختصاصه بالجار .
وقال في رواية ابن هانئ في السؤال يكذبون أحب إلينا لو صدقوا ما وسعنا إلا مواساتهم وهذا يدل على وجوب مواساة الجائع من الجيران ، وغيرهم .
وفي " الصحيح " ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950496أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني [ ص: 353 ]
وفي " المسند " و " صحيح الحاكم " عن [ ابن ] عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950497أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع ، فقد برئت منهم ذمة الله عز وجل .
ومذهب أحمد ومالك أنه nindex.php?page=treesubj&link=23359يمنع الجار أن يتصرف في خاص ملكه بما يضر بجاره ، فيجب عندهما كف الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المضر به ، ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاص ملكه ، ويجب عند أحمد أن يبذل لجاره ما يحتاج إليه ، ولا ضرر عليه في بذله ، وأعلى من هذين أن يصبر على أذى جاره ، ولا يقابله بالأذى قال الحسن : ليس حسن الجوار كف الأذى ، ولكن nindex.php?page=treesubj&link=19583حسن الجوار احتمال الأذى ، ويروى من حديث أبي ذر يرفعه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950498إن الله يحب الرجل يكون له الجار يؤذيه جواره ، فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن " خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد . وفي مراسيل أبي عبد الرحمن الحبلي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه جاره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " كف أذاك عنه ، واصبر لأذاه ، فكفى بالموت مفرقا " خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا .
[ ص: 354 ] الثالث مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين : nindex.php?page=treesubj&link=24549إكرام الضيف ، والمراد إحسان ضيافته ، وفي " الصحيحين " من حديث أبي شريح ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950499أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمعته أذناي حين تكلم به قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه جائزته قالوا : وما جائزته ؟ قال : " يوم وليلة " قال : والضيافة ثلاثة أيام ، وما كان بعد ذلك ، فهو صدقة " .
وخرج مسلم من حديث أبي شريح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950500nindex.php?page=treesubj&link=24550الضيافة ثلاثة أيام ، وجائزته يوم وليلة ، وما أنفق عليه بعد ذلك ، فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يؤثمه قالوا : يا رسول الله كيف يؤثمه ؟ قال : يقيم ولا شيء له يقريه به .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950448من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه . قالها ثلاثا ، قالوا : وما إكرامة الضيف يا رسول الله ؟ قال : ثلاثة أيام ، فما جلس بعد ذلك فهو صدقة . [ ص: 355 ] ففي هذه الأحاديث أن nindex.php?page=treesubj&link=24550جائزة الضيف يوم وليلة ، وأن الضيافة ثلاثة أيام ، ففرق بين الجائزة والضيافة ، وكذا الجائزة قد ورد في تأكيدها أحاديث أخر ، فخرج أبو داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معد يكرب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950501ليلة الضيف حق على كل مسلم ، فمن أصبح بفنائه ، فهو عليه دين ، إن شاء اقتضى ، وإن شاء ترك " . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ولفظه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950502ليلة الضيف حق على كل مسلم " .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وأبو داود من حديث المقدام أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950503أيما رجل أضاف قوما ، فأصبح الضيف محروما ، فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله " .
وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950504قلنا يا رسول الله ، إنك تبعثنا ، فننزل بقوم لا يقرونا ، فما ترى ؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن نزلتم بقوم ، فأمروا لكم بما ينبغي للضيف ، فاقبلوا ، فإن لم يفعلوا ، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم . [ ص: 356 ] وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد والحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950505أيما ضيف نزل بقوم ، فأصبح الضيف محروما ، فله أن يأخذ بقدر قراه ، ولا حرج عليه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو : من لم يضف ، فليس من محمد ، ولا من إبراهيم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=4708عبد الله بن الحارث بن جزء : من لم يكرم ضيفه ، فليس من محمد ، ولا من إبراهيم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة لقوم نزل عليهم ، فاستضافهم ، فلم يضيفوه ، فتنحى ونزل ، فدعاهم إلى طعامه ، فلم يجيبوه ، فقال لهم : لا تنزلون الضيف ولا تجيبون الدعوة ما أنتم من الإسلام على شيء ، فعرفه رجل منهم ، فقال له : انزل عافاك الله ، قال : هذا شر وشر ، لا تنزلون إلا من تعرفون .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء نحو هذه القضية إلا أنه قال لهم : ما أنتم من الدين إلا على مثل هذه ، وأشار إلى هدبة في ثوبه .
وهذه النصوص تدل على nindex.php?page=treesubj&link=24548وجوب الضيافة يوما وليلة ، وهو قول الليث وأحمد ، وقال أحمد : له المطالبة بذلك إذا منعه ، لأنه حق له واجب ، وهل يأخذ بيده من ماله إذا منعه ، أو يرفعه إلى الحاكم ؟ على روايتين منصوصتين عنه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه : ليلة الضيف واجبة ، وليس له أن يأخذ قراه منهم قهرا ، إلا أن يكون مسافرا في مصالح المسلمين العامة دون مصلحة نفسه .
[ ص: 357 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : لو نزل الضيف بالعبد أضافه من المال الذي بيده ، وللضيف أن يأكل وإن لم يعلم أن سيده أذن له ، لأن الضيافة واجبة . وهو قياس قول أحمد ، لأنه نص على أنه يجوز nindex.php?page=treesubj&link=24187إجابة دعوة العبد المأذون له في التجارة وقد روي عن جماعة من الصحابة أنهم أجابوا دعوة المملوك ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ، فإذا جاز له أن يدعو الناس إلى طعامه ابتداء جاز إجابة دعوته ، فإضافته لمن نزل به أولى .
ومنع مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما من دعوة العبد المأذون له بدون إذن سيده ، ونقل علي بن سعيد عن أحمد ما يدل على وجوب nindex.php?page=treesubj&link=24548الضيافة للغزاة خاصة بمن مروا بهم ثلاثة أيام ، والمشهور عنه الأول ، وهو وجوبها لكل ضيف نزل بقوم .
واختلف قوله : هل تجب على nindex.php?page=treesubj&link=24551أهل الأمصار والقرى أم تختص بأهل القرى ومن كان على طريق يمر بهم المسافرون ؟ على روايتين منصوصتين عنه .
والمنصوص عنه : أنها تجب للمسلم والكافر ، وخص كثير من أصحابه الوجوب للمسلم ، كما لا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين على إحدى الروايتين عنه .
فأما اليومان الآخران ، وهما الثاني والثالث ، فهما تمام الضيافة ، والمنصوص عن أحمد أنه لا يجب إلا الجائزة الأولى ، وقال : قد فرق بين الجائزة ، والضيافة ، والجائزة أوكد ، ومن أصحابنا من أوجب الضيافة ثلاثة أيام : منهم أبو بكر بن عبد العزيز ، وابن أبي موسى ، nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي ، وما بعد الثلاث ، فهو صدقة ، وظن بعض الناس أن الضيافة ثلاثة أيام بعد اليوم والليلة الأولى ، وردهأحمد بقوله [ ص: 358 ] صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950506الضيافة ثلاثة أيام ، فما زاد فهو صدقة ، ولو كان كما ظن هذا ، لكان أربعة .
وهذا الحديث الذي احتج به أحمد قد تقدم من حديث أبي شريح ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950448من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليحسن قرى ضيفه قيل : يا رسول الله ، وما قرى الضيف ؟ قال : ثلاث ، فما كان بعد ، فهو صدقة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه : عليه أن يتكلف له في اليوم والليلة من الطعام أطيب ما يأكله هو وعياله ، وفي تمام الثلاث يطعمهم من طعامه ، وفي هذا نظر . وسنذكر حديث سلمان بالنهي عن التكلف للضيف ، ونقل أشهب عن مالك ، قال جائزته يوم وليلة يكرمه ويتحفه ويخصه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يمتنع من الأكل من مال من نزل عليه فوق ثلاثة أيام ، ويأمر أن ينفق عليه من ماله . nindex.php?page=treesubj&link=24550ولصاحب المنزل أن يأمر الضيف بالتحول عنه بعد الثلاث ، لأنه قضى ما عليه ، وفعل ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد .
[ ص: 359 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950507لا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه يعني يقيم عنده حتى يضيق عليه ، لكن هل هذا في الأيام الثلاثة أم فيما زاد عليها ؟ فأما فيما ليس بواجب ، فلا شك في تحريمه ، وأما في ما هو واجب وهو اليوم والليلة فينبنى على أنه nindex.php?page=treesubj&link=24551هل تجب الضيافة على من لا يجد شيئا أم لا تجب إلا على من وجد ما يضيف به ؟ فإن قيل : إنها لا تجب إلا على من يجد ما يضيف به - وهو قول طائفة من أهل الحديث ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه - لم يحل للضيف أن يستضيف من هو عاجز عن ضيافته . وقد روي من حديث سلمان قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا فإذا نهي المضيف أن يتكلف للضيف ما ليس عنده دل على أنه لا تجب عليه المواساة للضيف إلا بما عنده ، فإذا لم يكن عنده فضل لم يلزمه شيء ، وأما إذا آثر على نفسه ، كما فعل الأنصاري الذي نزل فيه : nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ الحشر : 9 ] فذلك مقام فضل وإحسان ، وليس بواجب . [ ص: 360 ] ولو علم الضيف أنهم لا يضيفونه إلا بقوتهم وقوت صبيانهم ، وأن الصبية يتأذون بذلك ، لم يجز له استضافتهم حينئذ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950509لا يحل له أن يقيم عنده حتى يخرجه .
وأيضا nindex.php?page=treesubj&link=24551فالضيافة نفقة واجبة ، فلا تجب إلا على من عنده فضل ، عن قوته وقوت عياله ، كنفقه الأقارب ، وزكاة الفطر . وقد أنكر الخطابي تفسير تأثيمه بأن يقيم عنده ولا شيء له يقريه ، وقال : أراه غلطا ، وكيف يأثم في ذلك وهو لا يتسع لقراه ، ولا يجد سبيلا إليه ؟ وإنما الكلفة على قدر الطاقة ، قال : وإنما وجه الحديث أنه كره له المقام عنده بعد ثلاث لئلا يضيق صدره بمكانه ، فتكون الصدقة منه على وجه المن والأذى فيبطل أجره ، وهذا الذي قاله فيه نظر ، فإنه قد صح تفسيره في الحديث بما أنكره ، وإنما وجهه أنه أقام عنده ولاشيء له يقريه به ، فربما دعاه ضيق صدره به ، وحرجه إلى ما يأثم به في قول ، أو فعل ، وليس المراد أنه يأثم بترك قراه مع عجزه عنه ، والله أعلم .