الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما

كتاب الفرائض

والنظر في هذا الكتاب ، فيمن يرث ، وفيمن لا يرث . ومن يرث هل يرث دائما ، أو مع وارث دون وارث ، [ ص: 671 ] وإذا ورث مع غيره فكم يرث وكذلك إذا ورث وحده كم يرث ؟ وإذا ورث مع وارث ، فهل يختلف ذلك بحسب وارث وارث أو لا يختلف ؟

والتعليم في هذا يمكن على وجوه كثيرة قد سلك أكثرها أهل الفرائض ، والسبيل الحاضرة في ذلك بأن يذكر حكم جنس جنس من أجناس الورثة إذا انفرد ذلك الجنس ، وحكمه مع سائر الأجناس الباقية ، مثال ذلك أن ينظر إلى الولد إذا انفرد كم ميراثه ، ثم ينظر حاله مع سائر الأجناس الباقية من الوارثين .

فأما الأجناس الوارثة فهي ثلاثة : ذو نسب ، وأصهار ، وموالي .

فأما ذوو النسب ، فمنها متفق عليها ، ومنها مختلف فيها .

فأما المتفق عليها فهي الفروع ( أعني : الأولاد ) ، والأصول ( أعني : الآباء والأجداد ) ذكورا كانوا أو إناثا ، وكذلك الفروع المشاركة للميت في الأصل الأدنى : ( أعني : الإخوة ذكورا أو إناثا ، أو المشاركة الأدنى أو الأبعد في أصل واحد وهم الأعمام وبنو الأعمام ) ، وذلك الذكور من هؤلاء خاصة فقط ، وهؤلاء إذا فصلوا كانوا من الرجال عشرة ومن النساء سبعة .

أما الرجال : فالابن وابن الابن وإن سفل ، والأب والجد أبو الأب وإن علا ، والأخ من أي جهة كان ( أعني : للأم والأب أو لأحدهما ) ، وابن الأخ وإن سفل ، والعم وابن العم وإن سفل ، والزوج ، ومولى النعمة .

وأما النساء : فالابنة وابنة الابن وإن سفلت ، والأم والجدة وإن علت ، والأخت ، والزوجة ، والمولاة .

وأما المختلف فيهم فهم ذوو الأرحام ، ( وهم من لا فرض لهم في كتاب الله ولا هم عصبة ) ، وهم بالجملة بنو البنات ، وبنات الإخوة ، وبنو الأخوات ، وبنات الأعمام ، والعم أخو الأب للأم فقط ، وبنو الإخوة للأم ، والعمات ، والخالات ، والأخوال .

فذهب مالك والشافعي وأكثر فقهاء الأمصار وزيد بن ثابت من الصحابة إلى أنه لا ميراث لهم . وذهب سائر الصحابة ، وفقهاء العراق والكوفة والبصرة وجماعة العلماء من سائر الآفاق إلى توريثهم .

والذين قالوا بتوريثهم اختلفوا في صفة توريثهم ، فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى توريثهم على ترتيب العصبات ، وذهب سائر من ورثهم إلى التنزيل ( وهو أن ينزل كل من أدلى منهم بذي سهم أو عصبة بمنزلة السبب الذي أدلى به ) .

وعمدة مالك ومن قال بقوله أن الفرائض لما كانت لا مجال للقياس فيها كان الأصل أن لا يثبت فيها شيء إلا بكتاب أو سنة ثابتة أو إجماع ، وجميع ذلك معدوم في هذه المسألة .

وأما الفرقة الثانية ، فزعموا أن دليلهم على ذلك من الكتاب والسنة والقياس .

أما الكتاب فقوله تعالى : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) ، وقوله تعالى : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ) واسم القرابة ينطلق على ذوي الأرحام ، ويرى المخالف أن هذه مخصوصة بآيات المواريث .

وأما السنة فاحتجوا بما خرجه الترمذي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي عبيدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 672 ] قال : " الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له " .

وأما من طريق المعنى فإن القدماء من أصحاب أبي حنيفة قالوا : إن ذوي الأرحام أولى من المسلمين ; لأنهم قد اجتمع لهم سببان : القرابة والإسلام ، فأشبهوا تقديم الأخ الشقيق على الأخ للأب ( أعني : أن من اجتمع له سببان أولى ممن له سبب واحد ) . وأما أبو زيد ومتأخرو أصحابه فشبهوا الإرث بالولاية وقالوا : لما كانت ولاية التجهيز والصلاة والدفن للميت عند فقد أصحاب الفروض والعصبات لذوي الأرحام وجب أن يكون لهم ولاية الإرث ، وللفريق الأول اعتراضات - في هذه المقاييس - فيها ضعف . وإذ قد تقرر هذا فلنشرع في ذكر جنس جنس من أجناس الوارثين ، ونذكر من ذلك ما يجري مجرى الأصول من المسائل المشهورة المتفق عليها والمختلف فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية