الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 242 ] سورة المائدة

مدنية، وروي أنها نزلت منصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، وآيها مئة وعشرون آية، وحروفها أحد عشر ألفا وسبع مئة وثلاثة وثلاثون حرفا، وكلمها ألفان وثماني مئة وأربع كلمات. وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "سورة المائدة تدعى في ملكوت الله: المنقذة; تنقذ صاحبها من أيدي ملائكة العذاب".

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد .

[1] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أي: العهود المحكمة، ويقال: وفى وأوفى بمعنى واحد، وهذا عام في كل واجب من أمر ونهي وحفظ وديعة; أي: احفظوا شريعته، ولفظ المؤمنين يعم مؤمني أهل الكتاب بينهم وبين الله عقد في أداء الأمانة فيما في كتبهم من أمر [ ص: 243 ] محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم خاطب كل من التزم الإيمان على وجهه وكماله، فقال:

أحلت لكم بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، [وأراد تحليل ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم من الأنعام] ، وسميت بهيمة; لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها، وعدم ميزها وعقلها، وقال ابن عباس، وعبد الله بن عمر: "بهيمة الأنعام الأجنة في البطن إذا ذبحت أمهاتها" قال القرطبي: وفيه بعد; لأن الله تعالى قال: إلا ما يتلى عليكم وليس في الأجنة ما يستثنى.

واختلف الأئمة في الجنين الذي يوجد في بطن أمه ميتا إذا ذكيت، هل تكون ذكاتها ذكاة لجنينها، ويحل أكله؟ فقال أبو حنيفة: لا يحل أكله، وقال صاحباه: إذا تم خلقه، حل أكله، وقال مالك: إذا تم خلقه، ونبت شعره، أكل، وإلا فلا، وقال الشافعي وأحمد: يحل أكله، سواء نبت شعره أو لم ينبت، واستحب أحمد ذبحه، فإن خرج وفيه حياة مستقرة، لم يبح إلا بذبحه، بالاتفاق.

إلا ما يتلى أي: يقرأ.

عليكم تحريمه في قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة إلى قوله: وما ذبح على النصب [المائدة: 3] استثناء من بهيمة الأنعام.

غير محلي الصيد ومعنى الآية: أحلت لكم الأنعام كلها إلا ما كان [ ص: 244 ] وحشيا; فإنه صيد لا يحل لكم في حال الإحرام، فذلك قوله:

وأنتم حرم أي: ما كان صيدا، فهو حلال في الإحلال دون الإحرام، وما لم يكن صيدا، فهو حلال في الحالين.

إن الله يحكم ما يريد من تحليل وتحريم، لا دافع لمراده.

التالي السابق


الخدمات العلمية