الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وإذا كان الأمر كذلك قيل لك: أولا: فهؤلاء الذين يزعمون أنهم ينفون عن الله النقص بكونه على العرش، قد بينا أنهم يصفونه بالنقص إما تصريحا وإما لزوما، ويصرحون بأن العقل لا ينفي النقص عن الله كانوا لم ينفوا ذلك إلا بالإجماع، فلم يجمع المسلمون على قولهم، فلا يكون معهم حجة على نفي كونه على العرش لو كان فيه ما زعموه من النقص [ ص: 199 ] والاستكمال بالغير، فكيف والنقص إنما هو لازم على قولهم، كما قد بين ذلك غير مرة.

وقيل لك: ثانيا: هب أن هذا متناقض لكن إذا كانوا قد جمعوا في قولهم من إثبات كونه على العرش، وبين نفي كونه جسما، فإما أن يكون إثبات هذا ونفي هذا متناقضا أو لا يكون، فإن لم يكن متناقضا صح قولهم، وبطل قولك في نفي الجهة. فإذا كان هذا متناقضا لم يكن إلزامهم لوازم أحد النقيضين بأولى من إلزامهم النقيض الآخر، فإن حقيقة هذا عند من يقول: إنهم تناقضوا أنهم قد قالوا: هو فوق العرش، ليس فوق العرش، وهو جسم وهو ليس بجسم، ومثل هذا إما أن يجعل لهم قولين فيكون لهم قول بأنه فوق العرش ولوازمه، وهو أنه جسم، وقول بأنه ليس بجسم ولوازمه وهو أنه ليس فوق العرش، أو يذكر قولهم المتناقض على جهته ولا يلزمون لوازم النفي دون لوازم الإثبات ولا لوازم الإثبات دون لوازم [ ص: 200 ] النفي، بل يثبت اللازم كما أثبت الملزوم، وإن قيل: إن فيها تناقضا، وإذا كان كذلك لم يجز أن يلزموا بلوازم نفي الجسم المستلزمة نفي لوازم كونه على العرش، فلا يلزموا بأن يكون متحيزا أو غير متحيز، فإن ذلك لا يلزمهم ما داموا جامعين بين النفي والإثبات، وهذا بين.

ولهذا لا يزال هؤلاء وأمثالهم يميلون إلى النفاة من وجه وإلى المثبتة من وجه.

وقيل لك: ثالثا: هب أن هؤلاء متناقضون في إثبات موجود ليس بجسم فوق العالم، فقولك بإثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه أعظم تناقضا، فإن قولك موجود يقضي ثبوت أحد الأمرين، فإذا نفيتهما فقد نفيت لازم الوجود المعلوم بالفطرة الضرورية، لاسيما وقد علم بالضرورة الفطرية أن الله فوق العالم، وأن ما يكون لا داخل العالم ولا خارجه، فإنه لا يكون إلا معدوما.

وقالوا لك: رابعا: لا نسلم أن هذا تناقض بل قد علمناه بالضرورة الفطرية والضرورة الدينية والأدلة السمعية والعقلية أنه فوق العرش وعلمنا بما وافقتنا عليه من الأدلة العقلية وما [ ص: 201 ] تذكر في موافقتنا من الأدلة الشرعية أنه ليس بجسم. وموجب الأدلة الصحيحة لا تتناقض، وإذا لم تتناقض فإذا قدرنا فوق العالم ما ليس بجسم لم يمكن أن يكون في حيز، كما تكون الأجسام. وحينئذ ما تذكره من اللوازم في هذه الحجة وفي نظائرها من الحجج مثل لزوم كونه منقسما، أو جوهرا فردا. وكونه في حيز أو أكثر من حيز ممنوعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية