الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        البحث السادس : اعتبار التابعي المجتهد المدرك لعصر الصحابة في الاجتهاد

                        إذا أدرك التابعي عصر الصحابة وهو من أهل الاجتهاد لم ينعقد إجماعهم إلا به ، كما حكاه جماعة ، منهم القاضي أبو الطيب الطبري والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وابن الصباغ وابن السمعاني وأبو الحسن السهيلي .

                        قال القاضي عبد الوهاب : إنه الصحيح ، ونقله السرخسي من الحنفية عن أكثر أصحابهم . قال : ولهذا قال أبو حنيفة : لا يثبت إجماع الصحابة في الأشعار ; لأن إبراهيم النخعي كان يكرهه - وهو ممن أدرك عصر الصحابة - فلا يثبت إجماعهم بدون قوله .

                        والوجه في هذا القول : أن الصحابة عند إدراك بعض مجتهدي التابعين لهم هم بعض [ ص: 257 ] الأمة لا كلها .

                        وقد سئل ابن عمر عن فريضة ، فقال اسألوا ابن جبير فإنه أعلم بها ، وكان أنس يسأل فيقول : سلوا مولانا الحسن ، فإنه سمع وسمعنا ، وحفظ ونسينا .

                        وسئل ابن عباس عن ذبح الولد ، فأشار إلى مسروق ، فلما بلغه جوابه تابعه عليه .

                        وقال جماعة : إنه لا يعتبر المجتهد التابعي الذي أدرك عصر الصحابة في إجماعهم ، وهو مروي عن إسماعيل بن علية ونفاه القياس ، وحكاه الباجي عن ابن خواز منداد واختاره ابن برهان في الوجيز .

                        وقيل : إن بلغ التابعي رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة ، ثم وقعت حادثة فأجمعوا عليها ، وخالفهم ، لم ينعقد إجماعهم ، وإن أجمعوا قبل بلوغه رتبة الاجتهاد ، فمن اعتبر انقراض العصر اعتد بخلافه ، ومن لم يعتبره لم يعتد بخلافه .

                        وقال القفال إذا عاصرهم وهو غير مجتهد ، ثم اجتهد ففيه وجهان : يعتبر أو لا يعتبر . قال بعضهم : إنه إذا تقدم إجماع الصحابة على اجتهاد التابعي ، فهو محجوج بإجماعهم قطعا .

                        قال الآمدي : القائلون بأنه لا ينعقد إجماعهم دونه اختلفوا : فمن لم يشترط انقراض العصر ، قال : إن كان من أهل الاجتهاد قبل إجماع الصحابة لم ينعقد إجماعهم ، مع مخالفته وإن بلغ رتبة الاجتهاد بعد انعقاد إجماعهم لم يعتد بخلافه ، قال وهذا مذهب الشافعي وأكثر المتكلمين وأصحاب أبي حنيفة ، وهي رواية عن أحمد ، ومن اشترط انقراض العصر ، قال : لا ينعقد إجماع الصحابة به مع مخالفته ، سواء كان مجتهدا حال إجماعهم أو صار مجتهدا بعد ذلك في عصرهم ، وإن بلغ الاجتهاد حال انعقاد إجماعهم أو بعد ذلك في عصرهم .

                        قال : وذهب قوم إلى أنه لا عبرة بمخالفته أصلا ، وهو مذهب بعض المتكلمين [ ص: 258 ] وأحمد بن حنبل في الرواية الأخرى .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية