الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية

        ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

        [ ص: 51 ] الغنيمة ) الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ، ثلاثة أصناف : الغنيمة ، والصدقة ، والفيء .

        فأما الغنيمة : فهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال ، ذكرها الله في سورة الأنفال ، التي أنزلها في غزوة بدر ، وسماها أنفالا ، أنها زيادة في أموال المسلمين ، فقال : { يسألونك عن الأنفال ، قل الأنفال لله والرسول } إلى قوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } الآية ، وقال : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ، واتقوا الله إن الله غفور رحيم }

        وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس [ ص: 52 ] عامة } .

        وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { بعثت بالسيف بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم } رواه أحمد في المسند عن ابن عمر ، واستشهد به البخاري .

        فالواجب في المغنم تخميسه ، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى ، وقسمة الباقي بين الغانمين ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة وهم الذين شهدوا القتال ، قاتلوا أو لم يقاتلوا ، ويجب قسمها بينهم بالعدل ، فلا يحابي أحدا ، لا لرياسته ولا لنسبه ولا لفضله ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه ، يقسمونها .

        وفي صحيح البخاري : { أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، رأى له فضلا على من [ ص: 53 ] دونه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ } وفي مسند أحمد عن سعد بن أبي وقاص ، قال : { قلت : يا رسول الله : الرجل يكون حامية القوم ، يكون سهمه وسهم غيره سواء ؟ قال : ثكلتك أمك ابن أم سعد ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم } ؟ .

        وما زالت الغنائم بين الغانمين ، في دولة بني أمية وبني العباس ، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر ، لكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية كسرية تسرت من الجيش ، أو رجل صعد حصنا عاليا ففتحه ، أو حمل على مقدم العدو فقتله ، فهزم العدو ونحو ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك . [ ص: 54 ]

        وكان ينفل السرية في البداية الربع بعد الخمس ، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس ، وقال بعضهم : إنه يكون من خمس الخمس ، لئلا يفضل بعض الفاتحين على بعض ، والصحيح أنه يجوز من أربعة الأخماس ، وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض لمصلحة دينية ، لا لهوى نفس ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ، وهذا قول فقهاء الشام وأبي حنيفة ، وأحمد ، وغيرهم ، وعلى هذا فقد قيل : إنه ينفل الربع والثلث بشرط وغير شرط ، وينفل الزيادة على ذلك الشرط ، مثل أن يقول : من دلني على قلعة فله كذا ، ومن جاء برأس فله كذا ، ونحو ذلك ، وقيل : لا ينفل زيادة على الثلث ، ولا ينفله إلا بالشرط ، وهذان قولان أحمد وغيره ، وكذلك - على القول الصحيح للإمام أن يقول : من أخذ شيئا فهو له ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قال ذلك في غزوة بدر إذا رأى ذلك مصلحة راجحة على المفسدة .

        وإذا كان الإمام يجمع الغنائم ويقسمها ، لم يجز لأحد أن يغل منها شيئا

        { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } فإن الغلول خيانة ولا [ ص: 55 ] تجوز النهبة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، فإذا ترك الإمام الجمع والقسمة ، وأذن في الأخذ إذنا جائزا ، فمن أخذ شيئا بلا عدوان ، حل له بعد تخميسه ، وكل ما دل على الإذن فهو إذن

        وأما إذا لم يأذن ، أو أذن إذنا غير جائز ، جاز للإنسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة ، متحريا للعدل في ذلك .

        ومن حرم على المسلمين جمع المغانم ، والحال هذه ، وأباح الإمام أن يفعل فيها ما يشاء ، فقد تقابل القولان تقابل الطرفين ، ودين الله وسط .

        والعدل في القسمة : أن يقسم للراجل سهم ، وللفارس ذي الفرس العربي ثلاثة أسهم له ، وسهمان لفرسه ، هكذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر .

        ومن الفقهاء من يقول : للفارس سهمان ، والأول الذي [ ص: 56 ] دلت عليه السنة الصحيحة ; ولأن الفرس يحتاج إلى مئونة نفسه وسائسه - ومنفعة الفارس به أكثر من منفعة راجلين - ومنهم من يقول : يسوي بين الفرس العربي والهجين في هذا ، ومنهم من يقول : بل الهجين يسهم له سهم واحد ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والفرس [ ص: 57 ] الهجين ، الذي تكون أمه نبطية ويسمى البرذون - وبعضهم يسميه التتري ، سواء كان حصانا أو حصانا خصيا ، ويسمى الإكديش أو رمكة ، وهي ; الحجر ، كان السلف يعدون للقتال الحسان ، لقوته وحدته ، وللإغارة والبيات الحجر ; لأنه ليس لها صهيل ، ينذر العدو فيحترزون وللسير الخصي ; لأنه أصبر على السير .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية