الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
ثم نظر الله إلى عباده وانتصر لكتابه ودينه ، وأقام جندا يغزو ملوك هؤلاء بالسيف والسنان ، وجندا يغزو علماءهم بالحجة والبرهان ، ثم نبغت نابغة منهم في رأس القرن السابع ، فأقام الله لدينه شيخ الإسلام أبا العباس أحمد بن تيمية ، قدس الله روحه ، فأقام على غزوهم مدة حياته باليد والقلب واللسان ; وكشف للناس باطلهم وبين تلبيسهم وتدليسهم ، وقابلهم بصريح المعقول وصحيح المنقول ، وشفى واشتفى ، وبين تناقضهم ومفارقتهم لحكم العقل الذي به يدلون وإليه يدعون ، وأنهم أترك الناس لأحكامه وقضاياه ، فلا وحي ولا عقل ، فأرداهم في حفرهم ، ورشقهم بسهامهم ، وبين أن صحيح معقولاتهم خدم لنصوص الأنبياء ، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خيرا .

الوجه التاسع والثلاثون : أنه قد ثبت بالعقل الصريح والنقل الصحيح ثبوت صفات الكمال للرب سبحانه ، وأنه أحق بالكمال من كل ما سواه ، وأنه يجب أن تكون القوة كلها لله ، وكذا العزة والقدرة والكلام ، وسائر صفات الكمال التام اثنان ، وأن الكمال [ ص: 179 ] التام لا يكون إلا لواحد ، وهاتان مقدمتان يقينيتان معلومتان بصريح العقل ، وجاءت نصوص الأنبياء مفصلة بما في صريح العقل إدراكه قطعا ، فاتفق على ذلك العقل والنقل ، قال الله تعالى : ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا ) ، وقد اختلف في تعلق قوله : ( أن القوة لله جميعا ) بماذا ؟ فقالت طائفة : هو مفعول يرى ، أي فلو يرون أن القوة لله جميعا لما عصوه ولما كذبوا رسله وقدموا عقولهم على وحيه ، وقالت طائفة : بل المعنى : لأن القوة لله جميعا ، وجواب لو محذوف على التقدير ، أي ولو يرى هؤلاء حالهم وما أعد الله لهم إذ يرون العذاب لرأوا أمرا عظيما ، ثم قال : ( أن القوة لله جميعا ) ، وقال : ( إن الأمر كله لله ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح : " لبيك وسعديك والخير في يديك " ، وفي الأثر الآخر : " اللهم لك الحمد كله ، ولك الملك كله ، وبيدك الخير كله ، وإليك يرجع الأمر كله " .

التالي السابق


الخدمات العلمية