الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        [ ص: 1504 ] كتاب الذبائح

                                                                                                                                                                                        النسخ المقابل عليها

                                                                                                                                                                                        1 - (ب) نسخة برلين رقم (3144)

                                                                                                                                                                                        2 - (ت) نسخة تازة رقم (235 & 243)

                                                                                                                                                                                        3 - (م) نسخة مراكش رقم (112/ 1)

                                                                                                                                                                                        4 - (ر) نسخة الحمزوية رقم (110) [ ص: 1505 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 1506 ]

                                                                                                                                                                                        [ ص: 1507 ]

                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما

                                                                                                                                                                                        كتاب الذبائح

                                                                                                                                                                                        باب فيما تجب ذكاته من الحيوان

                                                                                                                                                                                        الحيوان في الذكاة على ثلاثة أوجه:

                                                                                                                                                                                        حيوان بري له نفس سائلة; لا يحل إلا بذكاة. وبحري لا حياة له في البر; يحل من غير ذكاة .

                                                                                                                                                                                        وبري ليست له نفس سائلة، وبحري له حياة في البر. واختلف فيهما، هل يحل أكلهما من غير ذكاة؟ فقال مالك في كتاب ابن حبيب : من احتاج إلى شيء من خشاش الأرض لدواء أو غيره مما لا لحم له ولا دم فذكاته كذكاة: الجراد، والعقرب، والخنفساء، والجندب ، والزنبور، واليعسوب، والذر، والنمل، والسوس، والحلم، والدود، والبعوض، والذباب. وقال في الحلزون : لا يؤكل ميتته. وما وجد حيا فسلق أو شوي; أكل . [ ص: 1508 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الجراد، فقال مالك في المدونة: لا يؤكل بغير ذكاة وقال مطرف : يؤكل بغير ذكاة، وعامة السلف أجازوا أكل ميتة الجراد. قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في التلقين: حكم هذه الأشياء حكم دواب البحر، لا ينجس في نفسه، ولا ينجس ما مات فيه من ماء. وقال في المدونة في ترس البحر: يؤكل بغير ذكاة ، وفي مختصر الوقار: استحب ذكاته; لأن له في البر رعيا.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد في السلحفاة، ترس صغيرة تكون في البراري: هو من صيد البر، ولا يؤكل إلا بذكاة . ولا يؤكل طير الماء إلا بذكاة ، وقال عطاء: حيث يكون أكثر فهو من صيده. وجعله داخلا في عموم قوله سبحانه: أحل لكم صيد البحر وطعامه [المائدة: 96] ، وقد يحمل القول في ذكاته على القول في ذكاة السلحفاة، والسلحفاة أبين لطول الحياة في البر. [ ص: 1509 ]

                                                                                                                                                                                        وذكر أبو محمد عبد الوهاب في شرح المدونة عن ابن نافع أنه قال في الضفدع يموت: أنه ينجس ، وينجس ما مات فيه. فمنع في القول الأول من أكل خشاش الأرض بغير ذكاة; لعموم قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة . والمراد: ما مات حتف أنفه . وأجيز ذلك في القول الثاني; لأن التحريم ورد فيما كانوا يأكلونه ويذبحونه من الأنعام دون هذه الأشياء. وقالوا: أنتم تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتله الله. يريدون: ما ذبحتم.

                                                                                                                                                                                        ويؤيد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم، فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء" أخرجه البخاري . وفي حديث: أنه يبدأ بالذي فيه الداء ، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج منه شيء، ولا يفسد الطعام، ولو كان مما يحتاج إلى ذكاة; لم يأمر بذلك. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أحلت لي ميتتان: الحوت والجراد" . وهذا الحديث أصل في كل ما ليس له نفس سائلة. [ ص: 1510 ]

                                                                                                                                                                                        ولا وجه للاحتجاج أنه "نثرة حوت" لوجهين:

                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن ذلك لا يعرف إلا من قول كعب الأحبار ، يخبر عما في كتبهم. ولا خلاف أنه لا يجب علينا العمل بمثل هذا، ولا تعبدنا به.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أنه الآن من صيد البر، فيه يخلق، وفيه يعيش، فلم يكن لاعتبار الأصل وجه لو صح ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقد حكم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المحرم فيه بالجزاء، وجعله من صيد البر.

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أنه لا تؤكل ميتته، فقال ابن القاسم في المدونة: لا يؤكل، إلا أن يموت بفعل يفعله بها، بقطع أرجلها أو أجنحتها، أو بطرحها في [ ص: 1511 ] نار، فيسلقه أو يقليه .

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب في مدونته: لا يؤكل إذا قطعت أجنحته أو أرجله، ثم مات قبل أن يسلق، ولا يؤكل إلا أن يقطع رأسه أو يعتمل حيا . يريد: يطرح في ماء أو نار.

                                                                                                                                                                                        وقال أبو الحسن بن القصار : لا تؤكل ميتته. ولو وقع في قدر أو نار وهو حي فاحترق; أكل. وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وابن وهب : أخذه ذكاة.

                                                                                                                                                                                        وعلى قول مالك وابن القاسم وأشهب أنه يحتاج إلى ذكاة، فإنه يسمي الله سبحانه عند فعله بها ذلك; وينوي به الذكاة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا سلقت الأحياء مع الأموات أو الأرجل معها، فقال أشهب في مدونته: يطرح جميعه، وكله حرام. وقال سحنون في النوادر: تؤكل الأحياء بمنزلة خشاش الأرض تموت في القدر . [ ص: 1512 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية