الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب مناقب مصعب بن عمير رضي الله عنه

                                                                                                          3853 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها وإن مصعب بن عمير مات ولم يترك إلا ثوبا كانوا إذا غطوا به رأسه خرجت رجلاه وإذا غطوا به رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غطوا رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حدثنا هناد حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن خباب بن الأرت نحوه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( مناقب مصعب ) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين ( بن عمير ) بالتصغير القرشي العدوي كان من أجلة الصحابة وفضلائهم ، هاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها ، ثم شهد بدرا ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه بعد العقبة الثانية إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين ، وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة ، وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا ، فلما أسلم زهد في الدنيا ، فتخشف جلده تخشف الحية ، وقيل : إنه بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بعد أن بايع العقبة الأولى ، فكان يأتي الأنصار في دورهم ويدعوهم إلى الإسلام فيسلم الرجل والرجلان ، حتى فشا الإسلام فيهم ، فكتب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له ، ثم قدم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع السبعين الذين قدموا عليه في العقبة الثانية ، فأقام بمكة قليلا ثم عاد إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وهو أول من قدمها ، وقتل يوم أحد شهيدا وله أربعون سنة ، أو أكثر ، وفيه نزل : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكان إسلامه بعد دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الأرقم .

                                                                                                          قوله : ( أخبرنا أبو أحمد ) اسمه محمد بن عبد الله الزبيري ( عن أبي وائل ) هو شقيق بن [ ص: 239 ] سلمة ، قوله : ( هاجرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم ) أي : بأمره وإذنه ، أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا إلا الصديق وعامر بن فهيرة ( نبتغي وجه الله ) أي : جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا ( فوقع أجرنا على الله ) أي : إنابتنا وجزاؤنا ، وفي رواية : فوجب أجرنا على الله ، وإطلاق الوجوب على الله بمعنى إيجابه على نفسه بوعده الصادق وإلا فلا يجب على الله شيء ( لم يأكل من أجره شيئا ) كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح ، وكأن المراد بالأجر ثمرته فليس مقصورا على أجر الآخرة ، قال الحافظ في الفتح : هذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله ، ويجمع بأن إطلاق الأجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الآخرة ، وذلك أن القصد الأول هو ما تقدم ، لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير ، ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم انقسموا ، فمنهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا ، بحيث بقي على تلك الحالة الأولى ، وهم قليل . منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول ، ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم ، والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر ، وهم كثير ومنهم ابن عمر ، ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة ، والمندوبة وهم كثير أيضا ، منهمعبد الرحمن بن عوف ، وإلى هذين القسمين أشار خباب ، فالقسم الأول ، والملتحق به توفر له أجره في الآخرة ، والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الآخرة ، ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر ورفعه : " ما من غازية تغزو فتغنم وتسلم إلا تعجلوا ثلثي أجرهم " الحديث ، ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به ، إما ليتوفر لهم ثوابهم في الآخرة ، وإما ليكون أقل لحسابهم عليه . انتهى . ( ومنا من أينعت ) بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون ، والمهملة أي : أدركت ونضجت ، يقال : أينع الثمر يونع وينع يينع فهو مونع ويانع : إذا أدرك ونضج ( فهو يهدبها ) بكسر الدال وضمها ، أي : يقطعها ويجتنيها من هدب الثمرة إذا اجتناها ، وحكى ابن التين تثليث الدال ( وإن مصعب بن عمير مات ) وعند البخاري في الرقاق : منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد ، وكذا عند مسلم في الجنائز ( الإذخر ) بكسر الهمزة ، والخاء وهو حشيش معروف طيب الرائحة . [ ص: 240 ] قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي .

                                                                                                          قوله : ( أخبرنا ابن إدريس ) اسمه عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي .




                                                                                                          الخدمات العلمية