الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 493 ] فصل ) الولاء لمعتق ، وإن ببيع من نفسه ، أو عتق غير عنه ; بلا إذن ; [ ص: 494 ] أو لم يعلم سيده بعتقه حتى عتق ، إلا كافرا أعتق مسلما ، [ ص: 495 ] ورقيقا إن كان ينتزع ماله

[ ص: 493 ]

التالي السابق


[ ص: 493 ] باب ) في بيان أحكام الولاء ( الولاء ) بفتح الواو ممدودا من الولاية بمعنى القرب ، وأصله من الولي ، وإما من الولاية والتقديم فبكسر الواو وقيل بهما فيهما . ابن عرفة عن ابن عمر " رضي الله عنه " قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب } ، رواه أبو يعلى الموصلي ، ثم ابن حبان في صحيحه . الأبي هذا الحديث تعريف لحقيقته شرعا ، فلا يمكن حده بما هو أتم منه الرصاع فلذا لم يحده ابن عرفة ولا غيره ، وروي قوله صلى الله عليه وسلم لحمة بضم اللام وفتحها أي تعلق واتصال وارتباط ( لمعتق ) بكسر التاء . ابن عرفة في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } ، أي حقيقة أو حكما فشمل من أعتق غيره عنه بغير إذنه ، والولاء بالمباشرة والولاء بالجر .

وسواء كان العتق منجزا أو لأجل أو تدبيرا أو كتابة أو إيلادا أو بيعا من نفس الرقيق أو غير ذلك بقرابة أو سراية أو تمثيل ، بل ( وإن كان ) الإعتاق ( ببيع ) للعبد ( من نفسه ) ولو فاسدا كما تقدم ، فالولاء عليه لسيده ، ولا يتوهم من أخذه المال منه أنه لا ولاء له عليه لقدرته على نزعه منه وإبقائه رقا . البناني : لو قال وإن بعوض لكان أحسن لشموله أخذه عوضا من أجنبي لاعتقاقه عن نفس سيده ، فإن كان لإعتاقه عن دافع المال فالولاء له ( أو عتق غير عنه ) أي المعتق عنه ( بلا إذن ) من المعتق عنه فولاء العتيق للمعتق عنه .

ابن عرفة الولاء لمن ثبت العتق عنه ولو بعوض أو بغير إذنه ما لم يمنعه مانع . أبو عمر من أعتق عن غيره بإذنه أو بغير إذنه فمشهور مذهب الإمام مالك " رضي الله عنه " عند أكثر [ ص: 494 ] أصحابه أن الولاء للمعتق عنه . وقال أشهب الولاء للمعتق ، وقاله الليث والأوزاعي ، وسواء في قولهم أمره به أو لم يأمره . تت وجه المشهور أنه من التقديرات الشرعية التي يعطى فيها المعدوم حكم الموجود فيقدر دخوله في ملك المعتق عنه قبل إعتاقه ، وأنه أعتقه عنه بالتوكيل .

( أو ) أعتق رقيق رقيقه و ( لم يعلم سيده ) أي المعتق بالكسر بإعتاقه وهو رقيق رقيقه ( حتى عتق ) المعتق بالكسر فقد مضى إعتاقه والولاء على عتيقه لسيده الأعلى إن كان استثنى ماله وأمضى عتقه وإن رده رق فإن لم يستثنه فالولاء للمعتق لا لسيده ، وقرر الشارح بأن الولاء للمعتق ، ويحمل كلامهما على ما إذا لم يستثن السيد ماله قال تت .

طفي والحامل له على هذا التقرير مع ما فيه من التكلف والبرودة ; لأنه بنفس استثنائه ماله يبطل عتق الأسفل ، فإمضاؤه الأعلى استئناف عتق منه فلا يتوهم فيه أنه لا ولاء له .

قوله في كبيره تقرير كلامه على أن الولاء للسيد هو المناسب لما قبله ، يعني قوله أو عتق الغير عنه ; ; لأن هذا فيه نوع من عتق الغير على ما زعمه . وتقرير الشارحين تبعا لما في التوضيح هو الصواب ، وهو الموافق لقولها في عتق المكاتب والعبد إذا لم يعلم بذلك السيد حتى عتقا مضى ، وكان الولاء لهما إلا أن يكون السيد قد استثنى مال عبده حين أعتقه فيرد فعل العبد ، ويكون من أعتقه رقا للسيد ، وما أعتقاه بإذن السيد جاز الولاء للسيد إلى أن يعتق المكاتب فيرجع إليه الولاء ; إذ ليس لسيده انتزاع ماله ، وأما العبد فلا يرجع إليه الولاء ولو أعتق .

واستثنى من قوله : الولاء لمعتق فقال ( إلا ) شخصا ( كافرا أعتق ) رقا له ( مسلما ) اشتراه أو أسلم عنده فلا ولاء له عليه ولو أسلم الكافر بعد ذلك فلا يرجع له الولاء على المعروف من المذهب . ابن عرفة فيها مع غيرها إن أعتق كافر مسلما فولاؤه للمسلمين ، ولا يرجع لسيده إن أسلم ، ولا يجره لمسلم غيره . اللخمي : القياس رجوعه إليه إن أسلم وجره [ ص: 495 ] لولده المسلم ، ثم قال : والإجماع على صحة عتق الكافر رقه المسلم ( وإلا رقيقا ) قنا أو ذا شائبة أعتق رقيقه بإذن سيده أو لا فلا يكون ولاؤه له ( إن كان ) سيده الحر ( ينتزع ماله ) أي الرقيق المعتق بالكسر فالولاء للسيد الأعلى ، ولا يرجع للرقيق إذا عتق . ومفهوم الشرط أنه إن كان لا ينتزع ماله كالمكاتب والمدبر وأم الولد إذا مرض سيدهما ، والمعتق لأجل إذا قرب أجل عتقه فالولاء لسيدهم ما دامت رقيتهم ، فإن عتقوا رجع الولاء لهم كما تقدم .

ابن عرفة وفيها إن أعتق المكاتب أو العبد بإذن السيد جاز ، والولاء للسيد ، فإن عتق المكاتب رجع الولاء إليه ; إذ ليس لسيده انتزاع ماله ، ولا يرجع إلى العبد إن عتق ، وعتق أم الولد عبدها كعتق العبد وانظر الحاشية . البناني هذا شرط في كون الرقيق المعتق [ ص: 496 ] لا ولاء له أبدا ، وإن عتق بعد ذلك إنما الولاء لسيده ، وهذا إذا أعتق بإذن سيده أو أجازه . وأما من لا ينتزع ماله فالولاء لسيده ما دام رقيقا ، فإن عتق عاد الولاء له كما في المدونة .




الخدمات العلمية