الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        معلومات الكتاب

                        إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول

                        الشوكاني - محمد بن علي بن محمد الشوكاني

                        صفحة جزء
                        [ ص: 269 ] البحث الثالث عشر : في حدوث الإجماع بعد سبق الخلاف

                        قال الرازي في المحصول : إذا اتفق أهل العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول ، كان ذلك إجماعا لا تجوز مخالفته خلافا لكثير من المتكلمين ، وكثير من فقهاء الشافعية والحنفية .

                        وقيل هذه المسألة على وجهين :

                        أحدهما : أن لا يستقر الخلاف ، وذلك بأن يكون أهل الاجتهاد في مهلة النظر ، ولم يستقر لهم قول كخلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قتال مانعي الزكاة ، وإجماعهم عليه بعد ذلك ، فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع : صارت المسألة إجماعية بلا خلاف ، وحكى الجويني والهندي أن الصيرفي خالف في ذلك .

                        الوجه الثاني : أن يستقر الخلاف ، ويمضي عليه مدة ، فقال القاضي أبو بكر بالمنع ، وإليه مال الغزالي ونقله ابن برهان في الوجيز عن الشافعي وجزم به الشيخ أبو إسحاق في اللمع ونقل الجويني عن أكثر أهل الأصول الجواز واختاره الرازي والآمدي ، وقيل بالتفصيل ، وهو الجواز فيما كان دليل خلافه الأمارة والاجتهاد ، دون ما كان دليل خلافه القاطع عقليا كان أو نقليا ، ونقل الأستاذ أبو منصور إجماع أصحاب الشافعي على أنه حجة ، وبذلك جزم الماوردي والروياني .

                        فأما لو وقع الخلاف بين عصر ثم ماتت إحدى الطائفتين من المختلفين ، وبقيت الطائفة الأخرى ، فقال الأستاذ أبو إسحاق إنه يكون قول الباقين إجماعا ، واختاره الرازي والهندي ، قال الرازي في المحصول : لأن بالموت ظهر اندراج قول ذلك القسم وحده تحت أدلة الإجماع .

                        ورجح القاضي في التقريب ، أنه لا يكون إجماعا ، قال : لأن الميت في حكم الباقي الموجود ، والباقون هم بعض الأمة ، لا كلها ، وجزم به الأستاذ أبو منصور البغدادي في كتاب الجدل ، وكذا الخوارزمي في الكافي ، وحكى أبو بكر الرازي في هذه المسألة قولا ثالثا ، [ ص: 270 ] فقال : إن لم يسوغوا فيه الاختلاف صار حجة ; لأن قول الطائفة المتمسكة بالحق لا يخلو منه زمان ، وقد شهدت ببطلان قول المنقرضة ، فوجب أن يكون قولها حجة ، وإن سوغوا فيه الاجتهاد لم يصر إجماعا ، لإجماع الطائفتين على تسويغ الخلاف .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية