الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2024 ] القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [51] يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء أي: لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليا، بمعنى: لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال المهايمي: إذا كان تودد أهل الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقصد افتتانه عن بعض ما أنزل الله مع غاية كماله، فكيف حال من يتودد إليهم من المؤمنين؟ انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ووصفهم بعنوان (الإيمان) لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين، من أقوى الزواجر عن موالاتهما.

                                                                                                                                                                                                                                      بعضهم أولياء بعض إيماء إلى علة النهي. أي: فإنهم متفوقون على خلافكم، يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين. وإجماعهم على مضادتكم. فما لمن دينه خلاف دينهم ولموالاتهم!!.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يتولهم منكم فإنه منهم أي: من جملتهم. وحكمه حكمهم وإن زعم أنه مخالف لهم في الدين، فهو بدلالة الحال منهم لدلالتها على كمال الموافقة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري: وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين واعتزاله. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تراءى ناراهما. ومنه قول عمر [ ص: 2025 ] رضي الله عنه لأبي موسى في كاتبه النصراني: لا تكرموهم إذ أهانهم الله. ولا تأمنوهم إذ خونهم الله. ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله. وروي أنه قال له أبو موسى: (لا قوام للبصرة إلا به) فقال: مات النصراني والسلام. يعني: هب أنه قد مات، فما كنت تكون صانعا حينئذ، فاصنعه الساعة واستغن عنه بغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله لا يهدي القوم الظالمين يعني: الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفرة.

                                                                                                                                                                                                                                      روى ابن أبي حاتم عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر. قال: فظنناه يريد هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم بين تعالى كيفية توليهم. وأشعر بسببه وبما يؤول إليه أمره. فقال سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية