الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 453 ] وروى الخلال في " كتاب السنة " قال: " حدثنا أبو بكر المروذي قال: سألت أبا عبد الله عن أحاديث الرؤية فصححها، وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول، لنسلم الخبر كما جاء".

وعن حنبل بن إسحاق قال: " سمعت أبا عبد الله يقول: أدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا: أحاديث الرؤية، وكانوا يحدثون بها على الجملة، يمرونها على حالها غير [ ص: 454 ] منكرين لذلك ولا مرتابين.

وقال حنبل: قال أبو عبد الله قال الله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [الشورى: 51] فكلم الله موسى من وراء حجاب، وقال: رب أرني أنظر إليك قال الله تعالى: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني [الأعراف: 143] فأخبر الله تعالى أن موسى عليه السلام يراه في الآخرة، وقال عز وجل: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [المطففين: 15] ولا يكون حجاب إلا لرؤية، فأخبر الله أن من شاء الله ومن أراد يراه، والكفار لا يرونه.

فقال حنبل في موضع آخر: القوم يرجعون إلى التعطيل في [ ص: 455 ] قولهم ينكرون الرؤية.

قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: قال الله عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة: 22-23] قال: أحاديث تروى في النظر: حديث جرير بن عبد الله وغيره" تنظرون إلى ربكم" أحاديث صحاح وقال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [يونس: 26] وهي النظر إلى الله عز وجل، ثم قال أبو عبد الله: نؤمن بها ونعلم أنها حق، يعني أحاديث الرؤية، ونؤمن أن الله يرى، نرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب.

وسمعت أبا عبد الله يقول: قالت الجهمية: إن الله لا يرى في الآخرة، ونحن نقول: إن الله يرى، لقوله عز وجل: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وقال الله تبارك وتعالى لموسى: فإن استقر مكانه فسوف تراني [الأعراف: 143] فأخبر الله أنه يرى. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر وهذه الشمس" رواه جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: " كلكم [ ص: 456 ] يخلو به ربه" و: " وإن الله يضع كنفه على عبده، فيسأله ما عملت".

هذه الأحاديث تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تروى صحيحة، وعن الله تبارك وتعالى أنه يرى في الآخرة، وهذه أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مدفوعة، والقرآن شاهد أن الله يرى في القيامة، وقول إبراهيم لأبيه: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا [مريم: 42] فثبت أن الله يسمع ويبصر، وقال الله تعالى: يعلم السر وأخفى [طه: 7] وقال: إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46] وقال أبو عبد الله: فمن دفع كتاب الله ورده والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 457 ] واخترع مقالة من نفسه وتأول برأيه فقد خسر خسرانا مبينا، وسمعت أبا عبد الله يقول: من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله، وكذب بالقرآن ورد على الله أمره، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل".

التالي السابق


الخدمات العلمية