الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الرابع

[ في معرفة من يقضى عليه أو له ]

وأما على من يقضي ؟ ولمن يقضي ؟ فإن الفقهاء اتفقوا على أنه يقضي لمن ليس يتهم عليه . واختلفوا في قضائه لمن يتهم عليه ، فقال مالك : لا يجوز قضاؤه على من لا تجوز عليه شهادته ، وقال قوم : يجوز ; لأن القضاء يكون بأسباب معلومة وليس كذلك الشهادة .

وأما على من يقضي ؟ فإنهم اتفقوا على أنه يقضي على المسلم الحاضر . واختلفوا في الغائب وفي القضاء على أهل الكتاب .

فأما القضاء على الغائب ، فإن مالكا ، والشافعي قالا : يقضي على الغائب البعيد الغيبة ، وقال أبو حنيفة : لا يقضي على الغائب أصلا ، وبه قال ابن الماجشون ، وقد قيل عن مالك : لا يقضي في الرباع المستحقة .

فعمدة من رأى القضاء حديث هند المتقدم ولا حجة فيه ; لأنه لم يكن غائبا عن المصر .

وعمدة من لم ير القضاء قوله - عليه الصلاة والسلام - : " فإنما أقضي له بحسب ما أسمع " ، وما رواه أبو داود وغيره عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له حين أرسله إلى اليمن : " لا تقض لأحد الخصمين حتى تسمع من الآخر " .

وأما الحكم على الذمي ، فإن في ذلك ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يقضي بينهم إذا ترافعوا إليه بحكم المسلمين ، وهو مذهب أبي حنيفة .

والثاني : أنه مخير ، وبه قال مالك ، وعن الشافعي القولان .

والثالث : أنه واجب على الإمام أن يحكم بينهم وإن لم يتحاكموا إليه .

فعمدة من اشترط مجيئهم للحاكم قوله تعالى : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) وبهذا تمسك من رأى الخيار ، ومن أوجبه اعتمد قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم ) ورأى أن هذا ناسخ لآية التخيير . وأما من رأى وجوب الحكم عليهم وإن لم يترافعوا ، فإنه احتج بإجماعهم على أن الذمي إذا سرق قطعت يده .

التالي السابق


الخدمات العلمية